في ظل القصة التي حظيت بإهتمام كبير حول العالم و هي قصة الفتى كوستا الصربي الذي كان يعاني من تنمر زملائه عليه, أرى أنها قد منحتنا أبعادا أخرى حول ردة فعل العامة و كيف تختلف العقليات من حيث تبين ما هو الصواب و ما الخطأ في القضية و التي تظهر لنا حقيقة المجتمع. بعيدا عن كل هذه الردود و الأراء ما رأيكم في قضية كوستا ؟ و أين تتجلى العدالة في حقها ؟؟
دماء المتنمرين تطفوا فوق دموع كوستا المنتقم.
دائما ما كنت أقول إن هذا العالم بحاجة إلى أن نمنحه الكثير من الحب والقليل من الحقد. فالحب يعيد الحياة لجميع الأشياء حتى لما ظنناه يوما ميتا. وأما الحقد فهو يعبث بنظامنا وبكيمياء دماغنا فيصيبنا بالخلل حتى نعجز عن إصلاحه... نعم لهذه الدرجة يتشبث بنا حتى وإن قررنا التخلي عنا فلا هو يفارقنا ولا نحن نقول على فراقه. هذا الطفل لم ينقصه شيء ولم يكن ذو أمراض نفسية إلا أنه كان بحاجة لمن يحبه, ولكنه لم يجد ذلك . فلم يدر كيف يتصرف إلا بمن يقتل. هذا الطفل يمثل نموذجا لما يمكن للحقد أن يصنعه وهو حقد أترابه الذين بدل أن يمنحوه الحب منحوه الخذلان والأسى.
فعلا, هذا هو المشكل الجوهري في القضية لكن ما عسانا أن نفعل نحن ال8 مليار لسنا كلنا أخيار, لكن في هذه الحالة و بما أن المتنمرين هم كذلك مجرد أطفال لا يمكننا إقناعهم جميعا بأن ينتشر الحب فيما بينهم و أن يضلوا على ذلك غير أنه يمكننا ضبط تلك الفئة المستعصية و إبعادها عن إيذاء البقية من خلال أساليب و سلوكيات تربوية تليق و تتناسب مع أعمارهم.
قرأت هذا الخبر على فرانس نيوز منذ أسبوعين تقريبا وفي الحقيقة لم تصبني الصدمة كما حدث مع العديد من القراء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي.
التنمر هو أسوأ ما يمكن أن يتعرض له الإنسان في حياته، فهو يصيب الإنسان بفقدان الثقة بالنفس بنسبة كبيرة، ويصيبه بالحزن ونوبات الاكتئاب والقلق، ويضعه تحت ضغط نفسي كبير.
ورغم أن هذا ليس مبرراً للجريمة التي حدثت، إلا أنه يدق ناقوس الخطر حول أهمية الانتباه إلى مثل هذه القضايا والعمل على إيجاد حلول وقائية لها قبل أن تتكرر مرات ومرات وبعنف أكبر.
وأتوقع أن يتم اتخاذ اجراءات إصلاحية في صربيا تتضمن حملات توعية ضد التنمر وضد العنف، يتم تطبيقها في المدارس والجامعات وعبر وسائل التواصل الاجتماعي للحد من هذه الظاهرة.
ولكن ماذا تتوقعون أن يتم اتخاذه مع هذا الطفل؟ وكيف يتم التعامل مع هذه القضية ومعالجتها اجتماعياً؟
ورغم أن هذا ليس مبرراً للجريمة التي حدثت، إلا أنه يدق ناقوس الخطر حول أهمية الانتباه إلى مثل هذه القضايا والعمل على إيجاد حلول وقائية لها قبل أن تتكرر مرات ومرات وبعنف أكبر.
صحيح هذا ما أردت قراءته تماما, لأن هاته القضية صارت لها أبعاد أخرى أكثر خطورة و حدة, خاصة من بعد معرفة النتيجة و الحكم الذي إتخذه القضاء فيها.
ولكن ماذا تتوقعون أن يتم اتخاذه مع هذا الطفل؟ وكيف يتم التعامل مع هذه القضية ومعالجتها اجتماعياً؟
أجد أنه من الصائب أن تتم محاكمت الطفل بما جلء به القانون الصربي في معاقبة الأحداث لإرتكابهم جرائم قتل دون النظر للأسباب أو الدوافع المؤدية لذلك, و ذلك لكي لا يتجرأ أحد آخر من ذوي نفس القضية أو غيرها على إرتكاب مثل هاته الجرائم بدافع الثأر و الإنتقام فيأخذ ظل هذه القضايا زاوية أخرى و يخلق فوضى وسط المجتمع.. و من جهة أخرى أرى أنه من العدل إن كان المتنمر مجرد طفل أو قاصر أن تتم محاكمة والديه أو ولي أمره و معاقبتهم لأنه في هذه الحالة بالذات أجد أنه السبب الرئيسي و الفعال في حدوث الواقعة هو عائلات المتنمرين لأنهم لم يحاولوا ضبط أبنائهم و توقيفهم من التنمر و محاولة إستفزاز الأخرين.
هل ترى من الطبيعي أن يكون رد فعل التنمر ما وصل إليه هذا الفتى؟ الأمر لا يمكننا الحكم عليه بهذه الطريقة، لابد أن يقيم الطفل نفسيا، لأن التنمر وحده ليس سببا يبدو أن لديه مشكلات نفسية متراكمة لم يعيرها الأهل الانتباه.
لأن التنمر وحده ليس سببا يبدو أن لديه مشكلات نفسية متراكمة لم يعيرها الأهل الانتباه.
يمكن أن يكون كافيا و يمكن لا, علينا أن لا نستهين بعواقب التنمر على الضحية خاصة في هذه الفترة من العمر بحيث يكون الطفل غير كامل الشخصية و لم يصنع لنفسه بعد أساليبا و دروعا تحميه من إعتداءات و تهديدات المحيط. لا أزال أتذكر عندما إلتحق بفصلنا تلميذ جديد خلال الدراسة الإبتدائية الذي كان يحاول أن يندمج مع باقي الزملاء في الفصل جاءه الرد بما لم يكن يشتهي كان يتعرض للتنمر و الإستحقار من قبل بعض التلاميذ, لو أخبرك بما كانوا يمارسونه عليه ستقول لي هل هؤلاء تلاميذ أم سجناء "إل أونغو" ؟! في إحدى تلك الأيام مررنا أنا و أصدقائي بحديقة كانت جانب المدرسة وجدنا ذلك الفتى جالسا ينتظرهم, ذهب إليه واحد منا يسأله هل يريد أن يعتدوا عليه ثانية إلا أننا انصدمنا عندما فاجأنا بسكين يخيفه في محفظته و هو يقول " إن إقتربوا مني سأذبحهم" , حاولنا تهدءته و عدنا به للبيت بعد أن وعدناه أننا سنحميه و سنكون بجواره دائما, هذا فقط مثال من كومة خش.
التعليقات