وإن كانت تخالف فما حدود التعامل معها؟
هل المدارس الفلسفية تتوافق مع نظرة الإسلام أم أنها تخالفها؟
أنشئت العديد من المدارس الفلسفية، هناك من تتوافق إلى حد ما مع الدين الإسلامي كمدرسة ارسطو ، لكن هناك بعض المدارس التي تعتبر الكون بمثابة مادة ويعتبرون الذات الإلهية كذلك عبارة عن مادة ،هناك بعض المدارس التي تنطلق من السؤال والتحليل ومن الشك للوصول الى اليقين، لكن طبعا هناك بعض الأسئلة التي قد تؤدي بنا إلى الشرك مثل *ما هي الروح *؟ هناك من الفلاسفة من اعتبرها مادة، والله عز وجل يقول :(قل الروح من أمر ربي) لذلك في الفلسفة علينا الانتقاء، لنأخد ما يفيدنا مثلا كالتدبر والتأمل في الكون ونترك ما يجعلنا نشرك بالله عز وجل.
إن الحكم في هذا الأمر نسبي لأن لدينا مدارس فلسفية مختلفة بعضها يحوي الآراء والمبادئ التي تتفق مع النظرة الإسلامية والبعض الآخر يتعارض معها فعلى سبيل المثال مدرسة الأرسطية التي تنص على وحدة الوجود على عكس مدارس آخرى كـالمادية والأفلاطونية تختلف تمامًا عن النظرة الإسلامية.
وإن كانت تخالف فما حدود التعامل معها؟
حدود التعامل تكمن في أن يكون الدين هو أولويتنا في الحكم على الأشياء وليست الفلسفة فهي مجرد وسيلة للتفكير والتحليل لا غير ولذلك يمكن اللجوء إليها أحيانًا عندما تتوافق مع معتقداتنا والقناعات الخاصة بنا فقط وعندما تخالف فيجب علينا الإبتعاد عنها وجعل الدين هو المرجع الرئيسي حتى لا تنبعث بداخلنا تساؤلات يمكنها أن تثير شعور الشك بداخلنا وهذا الشعور نحن بغني عنه لأنه يحدث أحيانًا خارج إرادتنا.
تلك المشكلة قديمة جداً بقدم دخول الفلسفة إلى العالم الإسلامي ثم نشأة علماء الكلام و تلك الفرق الكلامية المختلفة كاختلاف ألوان الطيف. تلك المشكلة بلغت أوجها مع الامام الغزًالي وكتابه (تهافت الفلاسفة) رداً على الفلاسفة المسلمين من أتباع الفلاسفة الإغريق ثم مع رد ابن رشد عليه في كتابه (تهافت التهافت). يرى الأمام الغزالي أن الشرع أعمق وأحكم وأحوط بكل الشئون أمًا الفسلفة فهي قاصرة متناقضة كما بين في كتابه. ثم جاء ابن رشد و قال أنه يمكن التوفيق بين العقل ( الفسلفة هنا ) وبين النقل ( وهي الشريعة) وذلك في كتابه ( فصل المقال فيما بين الحكمة و الشريعة من اتصال).
أما رأيي الشخصي فأتمنى لو لم تترجم كتب الفلسفة و لم تحدث البلبلة التي أحدثتها المعروفة في التاريخ الإسلامي وحسبنا من ذلك فتنة خلق القرآن و التي تعرض فيها الأمام أحمد لما نحن نعرفه من محنة. فلولا الفلسفة لما كانت كل تلك الفتن و لظلت العقول نظيفة بعيداً عن كثير من ترهات الفلسفة التي تبين خطاها فيما بعد. أما تتوافق أو تختلف فكيف تتوافق أصلاً وهي تكذب بعضها و تختلف مع بعضها بعضاً؟!
فلولا الفلسفة لما كانت كل تلك الفتن و لظلت العقول نظيفة بعيداً عن كثير من ترهات الفلسفة التي تبين خطاها فيما بعد. أما تتوافق أو تختلف فكيف تتوافق أصلاً وهي تكذب بعضها و تختلف مع بعضها بعضاً؟!
ما سبب هذه الفتن، يعني هل كان هناك محاولات لتوفيق القرآن مع الفلسفة، رغم أن هذا ليس صائبا؟
لعلك تعرف أنً عصر صدر الإسلام ثم عصر التابعين لم يكن هام مشاكل. لأن الجميع كان يفهم القرآن و السنة بالسليقة بدون تعقد أو محاولة لليً النصوص وتأويلها: بل كانوا يصدقون بها كما أنزلت ثم يوكلون أمر المتشابه من القرآن إلى الخالق عز وجل. ولكن بعد أن ترجمت الكتب الفلسفية و افتتان بعض الخلفاء ببعض علماء الكلام الذين أوًلو آيات القرآن على نحو ارتأوا معه أن القرآن " مخلوق" هاجت الدنيا و ماجت ولم يتفق الأمام أحمد بن حنبل ومن هنا كانت محنة سجنه وحتى جلده!! نعم كانت هناك محاولات لتحكيم العقل في النص أو العقل في النقل أي صحيح النقل ولما كان العقل قاصراً عن بلوغ شأو النقل ( النص الإلهي ) فقد انحرف عن الجادة وقال بما لا يصح وكانت المحنة و الإنقسام و المدارس الكلامية و الفلسفية كما نعرف من التاريخ.
وعلى فكرة قد حدث مثل هذا في العالم المسحي في العصور الوسطى اي ما بعد المسيحية فجاء أنسلم وتوماس الأكويني غيرهم و طوعوا فلسفة أفلاطون للشرع عندهم ثم طوعوا فلسفة أرسطوا كذلك حتى ظهرت ما يعرف بالمدارس الفلسفية التي تقول بخدمة الفسلفة للدين( Philosophy as a handmaiden of Religion) فهذا المصطلح موجود بكثرة في أدبياتهم في فترة التمدرس أو تأطير الفلسفة في مدارس قبل ان تتفردً أو تصبح فرديو الطابع من بدابة عصر النهضة.
ولكن ما هي النظرية الفلسفية التي أُخذ عنها شبهة خلق القرآن؟
وهل معنى كلام حضرتك أن علوم الفلسفة بكل ما فيها من تعمق في سبر أغوار النفس البشرية لم تضف جديدًا؟
ولكن ما هي النظرية الفلسفية التي أُخذ عنها شبهة خلق القرآن؟
على حد ما أعلمه من و عن الفلسفة انها ليس بها نظريات بل مذاهب أما النظرية فمصطلح علمي. أما شبهة خلق القرآن فهذا موضوع طويل جداً يمكن الرجوع إلى ما قيل فيه من قبل العتزلة و رجالها بطول العصور وكذلك باقي المذاهب الفكرية في التاريخ الاسلامي. وخلاصتها أن الله يقول: الله خالق كل شيئ.... وبما أن القرآن شيئ، فالقرآن مخلوق!!! هنا دخلت إشكاليات أخرى وهو كيف يكون كلام الرب مخلوق؟!! وكيف يتكلم الخالق سبحانه؟!! أشباه تلك الاسئلة أثيرت وهذا ما ينفيه و يمجه العقل و الذوق و الإيمان السليم فراح أحمد ابن حنبل يقول حينما سأله المعتصم: ما تقول في القرآن...؟! قال : كلام الله...كان لا يزيد.... لأن تلك فتنة أوقعتنا فيها الفلسفة بعد أن دخلت إلينا و اعتمدها المتكلمة.
وهل معنى كلام حضرتك أن علوم الفلسفة بكل ما فيها من تعمق في سبر أغوار النفس البشرية لم تضف جديدًا؟
الفلسفة ليس فيها علوم. ولكن فيها مباحث مثل مباحث الطبيعيات و الإلهيات أو الميتافزيقا ثم مباحث الجمال و المعرفة وغيرها...لا الفلسفة أضافت بالطبع وهي مرحلة من رقي العقل البشري في تعاطيه مع الكون ومع نفسه. فقد قسم أوجست كومت - على ما أذكر- تدرجات ارتقاء معرفة الإنسان فبدأ بالإلهيات فكان يفسر كل شيئ بالآلهة ( وحتى تلك الفترة كانت منقسمة إلى فترات التوثين و التعدد ثم الوحداينة) ثم مرحلة الفلسفة وفيها إعمال العقل بدون رصد أو تجريب كفترة الأغريق وما بعدها ثم فترة العلوم بدأت في عصر النهضة مع فرانيسس بيكون ثم تفرع العلوم وأصبحت لها مناهج....فهي قد تكون أم العلوم أو مرحلة مهمة في المعرفة الانسانية و البحث عن منهج ندرس به الكون. اما الآن فهناكما يعرف بفلسفة العلم يهتم بأسس العلم وأساليبه وتداعياته وتطبيقاته.
ولكن ما أقصده أن الفلسفة قد جرت على تاريخنا ما لايحمد عقباه وربما لو لم تأتينا لكنا اهتممنا أكثر بالمناهج العلمية كما اهتم به جابر بن حيان و البيروني وغيرهم وتركنا الفذلكة الذهنية.
حسنًا أتفق معك، لكن مع ذلك ألم يطوّع كبار علماء المسلمين مثل الفارابي والكندي وابن خلدون وابن رشد مبادئ الفلسفة لتأخذ منحى إسلامي يناقش قضايا تخص المسلمين دون غيرهم، هل ترى في ذلك جنوحًا عن القضايا المهمة التي يجب أن يهتم بها المسلمون.
نقطة أخرى، في الواقع أنا لم أفهم الرابط بين شبهة خلق القرآن وبين ظهور الفلسفة، ألا تتعلق الشبهات أصلًا بطبيعة النفس البشرية عامةً؟
لا، دخول الفلسفة إلى العلوم الإسلامية سبب بلابل كثيرة. لأنً المتكلمين جعلوا الفلسفة الحكم على القضايا الغيبية التي لا تعرف إلا من غير طريق النقل أو الوحي. وحسينا في ذلك ق ية مثل قضية قدم العالم الذي قال بها أرسطو فإنك تجدين حججاً منطقية جدأًُ غير أنها تتفق مع النقل بحال. أما قضية خلق القرآن فقد أثارها المعتزلة متأثرين بذلك بالرجوع إلى العقل في كل شيئ وتاويل القرآن تأويلاً تعسفياً. وقد كان القرآن بين يدي الصحابة و التابعين فلم يسألوا تلك الاسئلة المثيرة للجدل لأن هناك قضايا إيمانية لا دخل للعقل فيها.
التعليقات