في الحكاية، في فنّها وعمليّة إنشائها، تعتقد أنّ برأيك أيهما أصعب فعلاً، أن تكتب قصص خيال علمية غير محكومة بأيّ حدود أو اجتماعيّة مؤطّرة بالواقع؟
أيهما أصعب في الكتابة، قصص خيال علمية غير محكومة بأيّ حدود أو اجتماعيّة مؤطّرة بالواقع؟
أعتقد أن قصص الخيال العلمي تكون أشوق حين تخرج عن إطار المؤلوف ، فهي بهذا تخلق أفكار جديدة قد تؤدي الى تحقيقها فعليا ، وطبعا كاتب القصص العلمية هو على دراية بالأساسيات التي ينطلق منها، أقصد بهاذا لا يوجد خيال علمي لم ينطلق من أساس علمي، الا أن التجربة الغير محكومة أعتقد تكون أفضل ، حتى وان كانت المؤطرة بالواقع تكون أكثر جذبا لأنها تحاكي الواقع، لكني أفضل الأشياء الجديدة كليا بلا حدود.
لكني أفضل الأشياء الجديدة
كل قصّة جديدة يجب أن تُعرّفك على زاوية جديدة من الأمور التي تطالعينها حضرتك سواء كانت قصص علمية أو واقعية، لكن من حيث الكتابة هل تعتقدين أنّ كُتّاب القصص العلمية وبقدرتهم على ليّ الحقائق انطلاقاً من الفانتازيا التي يعملون عليها تعد قصص أسهل من تلك الواقعية التي محكومة ببيانات محددة؟
الخيال خروج عن حدود الواقع لكن ذلك ليس سهلا على الكاتب رسم حدود وقوانين عالم خيالي بحيث تقع الأحداث ضمن قواعد وقوانين هذا العالم بحيث لا يحدث تضارب او تعارض في الأحداث بين قواعد العالم الذي رسمه
معظمهم لا يصنع عوالم افتراضية، إنما زوايا خاصّة للقصّة فقط، لذلك غالباً لن يكون هناك قواعد للعالم الذي يرسمه، بل أشباه قواعد لا تتيح للمُتابع أنّها قد تبدو متناقضة في الزاوية التي يبنيها. لهذا برأيي الكتابة عن القصص الفناتازية أو الخيال العلمي أسهل من حيث التركيب من نظيرتها الواقعية.
ستكون القصص الواقعية الإجتماعية أسهل بكثير لأن شخصياتها وأحداثها مرسومة في ذهن الكاتب كل ما عليه تغيير الأشخاص فقط وأسمائهم وتغيير أسماء الأماكن .
أم القصص الخيالى فالكاتب يحتاج أن يرسم خيالاً جديداً من ذهنه لم يطرأ علي ذهن قارئ من قبل وهذا أمر صعب نسبياً .
ستكون القصص الواقعية الإجتماعية أسهل بكثير لأن شخصياتها وأحداثها مرسومة في ذهن الكاتب كل ما عليه تغيير الأشخاص فقط وأسمائهم وتغيير أسماء الأماكن .
لكن ليس كُل كتّاب القصة الاجتماعية يعملون على انتاج قصص كانوا قد خبروها قبل الأن ويعرفوها فعلاً، بمعظم الأحيان قد يكون الأمر تأليف ابداعي، وبما أنّ شروط التنفيذ والتأليف في موضوعة الفانتازية وقصص الخيال العلمي متفلّتة فالأمر هنا يصبح أصعب بالنسبة للقصص الواقعية المحكومة بإطارات مسبقة
نعم قصص الخيال العلمى يكون المجال الفكرى مفتوح أمام المؤلف بالفعل ، ولكن حينما نتحدث عن القصص الواقعية المحكومية بإطارات مسبقة ، يكون أمامى كمؤلف ( المواقف ، الشخصيات ، القصة كاملة ) وكل ما علي هو تغيير الشخصيات وإضافة الحبكة القصصية .
أليس حينها ستكون القصص الواقعية أسهل من قصص الخيال ؟
ما أقصده حين توافر الأطر كاملة في ذهن المؤلف .
أتذكر في مطلع ٢٠١٩ مع بداية جائحة كورونا أنني قرأت رواية تتحدث على الزمن الحاضر سيكون مليئًا بالأوبئة و التي بدورها ستجعل الناس جميعًا يعيشون في صوامع، لكل فرد صومعته و معزله الخاص! و هذا هو المشهد الذي تكرر مع هذه الجائحة. و يعد هذا مثالًا للخيال العلمي، و كذلك فيلم space odyssy.
كما حدث في الماضي في عهد الرسول عليه الصلاة و السلام، جائحة الطاعون و قام بذكر تعاليم الحجر الصحي كذلك.
لذات لا أعتقد أن قصص الخيال العلمي صعبة المنال بناءً على يذكره التاريخ و كذلك اعتمادًا على علم المستقبل futurology، و لكن الأدب أصعب للغاية لما يعنيه من تعبير ما هو مدفون بداخلنا دون محدودية للوصف.
التاريخ يعيد نفسه، و التاريخ هو من يصنع المستقبل. فهل مررت بكتاب أو فيلم مشابه لهذا؟
في رواية الألة تتوقّف، تصوّر فورستر طريقة جديدة لحياة البشر يُسيطر عليها التواصل الإلكتروني.تخيّل فيها أن البشر في المستقبل سيعملون ويتواصلون مع الغير من داخل غرفهم الخاصة. أثناء كتابة الرواية طبعاً كان هناك الهاتف العادي، لكن من الذي سيتوفع أن نصل إلى هذا التقدّم.
فاستعرضت روايته علاقة معقدة بين أم وابنتها تسودها السطحية بسبب انزواء كل واحدة فيهما عن الأخرى، واكتفائها بالتواصل مع الآخرين عبر الهاتف ومن هنا تبدأ القصة التي بها الكثير من التأشيرات التي حصلت فعلاً في المستقبل.
كتبت رواية اجتماعية، وتعمدت أن تصف الواقع من نظر فتاة مثلي، تعيش بنفس المجتمع، تؤرقها نفس الأفكار، تتعرض لمشكلات أراها حولي بكل مكان.
كانت تجربة رائعة، لأن الكلمات كانت غالبا تنساب من ذهني بسهولة، وزرفت دموعا عند كتابة بعض الأجزاء، التي أدت هي نفسها لبكاء من قرأها.
يجب أن يكتب الإنسان عن شيء يعرفه جيدا، ليس بالضروره عاشه، فقط يعرفه، ويفهمه، لتخرج الكلمات من داخله، فتصيب الأثر المطلوب في قلوب الناس.
لكني قررت بعد تلك الرواية أن اكتب رواية خيالية، كنت قد خططت لها قبل عدة سنين، طورت فكرتها، وقررت الغوص فيها، تجربة كتابة مختلفة كليا.
كتابة الروايات الخيالية ليست متحررة كما يظن أغلب الناس، الفكرة أنك فقط من يضع القواعد، التي لا يسعك اختراقها.
تبني العالم، وتضع دستورا، ثم تسير مع أبطالك تحاول التخلص من مصائد، أنت من نصبها هناك.
ومن تجربتي الكتابة صعبة في العموم، لكن لا فرق حقيقي بين أنواع الروايات، مادمت تكتب عن شيء يهمك، بشغف، منسجما مع ذاتك، نابعا من أعماق كيانك.
أما أصعب أنواع الكتابة على الإطلاق، هي الكتابة التجارية، تصبح الكتابة جافة ولا تطاق، حين تأتي متكلفة، ومصطنعة.
كتابة الروايات الخيالية ليست متحررة كما يظن أغلب الناس
كيف هي فعلاً ليست متحررة وسهلة في حين أنّ حضرتك قد قلتِ التالي:
الفكرة أنك فقط من يضع القواعد، التي لا يسعك اختراقها.
وهل كُل شخص يُشرف على وضع قواعده الشخصيّة وإطاراته ويبني حكاياته من الألف إلى الياء ومن الجغرافيا إلى الزمن بشكل حرّ تماماً وبحسب تفضيلاته الشخصيّة لا يُعد أنّهُ يكتب أمراً فيه حريّة أكثر من وصف شيء أنا لم أتدخّل ببناءه، بل بوصفه ووضع تخيّلاتي ضمن محيطه؟
لا أرى في الواقع ذلك التقييد
الواقع أيضا واسع والعالم كبير، وأغلب القيود نحن أيضا من ألزمنا نفسنا بها، ومستمدة من مبادئ أو أعراف...إلخ
وبناء مكان خيالي نفس الشيء، يمكنني أن أجعلهم قادرين على الطيران، لكن في منطقة ما أو في موعد ما يفقدون تلك القدرة
هذا ما أقصده بقولي أن في القصص الخيالية، انت تضع القوانين كمؤلف، ثم تعاني منها متمثلا بطل قصتك.
التعليقات