اعتنينا مرارًا بمختلف المهارات والأساليب التي تمكّن المستقل من عملية تفاوض ناجحة على السعر مع صاحب المشروع. لكنني أرغب في أن نطرح الأمر من الجهة الأخرى.
كيف أتفاوض على السعر مع المستقل كصاحب مشروع؟ ما الذي يجب أن يتميّز به أسلوبنا كأصحاب مشاريع؟
عندي وجهة نظر بخصوص بعض النقاط التي يعاد تكرار ذكرها في كل مناسبة يطرح فيها سؤال مشابه.
لا أرى أي عيب في أن يطرح صاحب المشروع بأدب واحترام السعر الذي يناسبه على المستقل بصرف النظر عن حجم العمل، ويفضل توضيح سبب إعطاء مثل ذلك السعر لا أكثر، فإذا وافق الأخير على شروط التنفيذ والرسوم تمت الصفقة برضا الطرفين، وإذا لم يوافق فيتوجب عليه الرد بلطف مع ذكر سبب رفضه، وعلى العميل احترام رغبته والاعتذار منه.
لو جرت كل التعاملات والاتفاقات بهذه الطريقة الودية، لما كنا نشهد مشاعر سلبية من قبل كثير من المستقلين تجاه العملاء، والعكس صحيح.
في بداية عملي ضمن إحدى منصات العمل الحر، واجهت صعوبة بالغة في كسر حاجز بيع الخدمة الأولى، فعرض عليّ عميل أن أقوم بتنزيل 1000 صورة من الإنترنت يدوياً لقاء 5 دولارات فقط، فقبلت وقتها من شدة حماستي للعمل، ولعلمي أن هذا المبلغ الزهيد سيكون بداية الصعود على سلم النجاح. ولم يكتفِ بطلب واحد بل حسبما أذكر فإنه طلب الخدمة 10 مرات. كنت كل مرة أقضي دون أي مبالغة على الأقل (10) ساعات في اليوم لأنجز المطلوب، لكن رغم الإرهاق الشديد كنت سعيداً لأنني أنا من قبل الصفقة عن طيب خاطر. وإلى اليوم أشعر بالامتنان لهذه الفرصة التي وضعتني على طريق النجاح.
وبعد الانطلاق في المنصة، لم أعد أعمل على خدمة يتطلب إنجازها يوماً كاملاً لا راحة فيه لقاء 5 دولارات، لكني ما أزال حتى اللحظة رغم أنني أضع السعر الذي يناسبني لبعض الخدمات، أحب أن أكسب عملاء دائمين، الأمر الذين يجعلني مرناً في مسألة الأسعار خصوصاً عندما يكون العميل من النوع الودود والسخي في التقييمات، والمريح في جميع مراحل العمل، ومن غير فئة المتطلبين الذين لا يعجبهم شيء، ويجدون ثغرة في كل عمل تقدمه لهم مهما راعيت الجودة والدقة في عملك.
في مناسبة لاحقة بعدما صرت بائعاً مميزاً (رتبة على المنصة)، قبلت تقديم خدمة لعميل بمبلغ زهيد مقابل الجودة وحجم العمل، لأجد نفس العميل ولأسباب لا أستطيع شرحها يشتري مني خدمات أخرى وصلت إلى (5) دولارات لقاء كتابة (50) كلمة فقط، لا لمرة فحسب بل لمرات عدة على امتداد شهور طويلة، بينما ظل يشتري نفس الخدمة الأولى التي بقيت أقدمها بنفس السعر الزهيد لأكثر من 6 أشهر، تزامناً مع شرائه لخدمات أخرى بمبالغ مرتفعة جداً.
المسألة بالنسبة لي بسيطة بشكل عام: العميل يعرض سعراً معيناً وتفاصيل معينة يريدها بصرف النظر عن أسبابه، وأنا إما أقبل أو لا أقبل حسب طريقة تواصله وقدرتي على تنفيذ العمل المطلوب، وبالتالي لا ضرر ولا ضرار.
بناء على ما سبق ذكره، أرى أن الصراحة والشفافية وطيب الكلام ومكافأة المستقل بتقييمات إيجابية مجزية في حال أدى العمل على أكمل وجه (من المهم للغاية ألا يكون العميل شخصاً متطلباً لا يعجبه شيء، أو يرى نفسه أفضل من غيره في المجال، فلا يمكن إرضاؤه حتى لو كان المستقل ماهراً في عمله)؛ هو أداة العميل الذكي والمحترم، إذا استخدمها بشكل صحيح فإن بإمكانه التفاوض على السعر الذي يريده، خصوصاً إذا وقع على مستقل يتمتع بمهارة التواصل الجيد، والإخلاص في العمل، ولباقة الحديث والاعتذار في حال لم يناسبه العرض المطروح دون تجريح للعميل أو إساءة في الكلام والتصرف.
المسألة بالنسبة لي بسيطة بشكل عام: العميل يعرض سعراً معيناً وتفاصيل معينة يريدها بصرف النظر عن أسبابه، وأنا إما أقبل أو لا أقبل حسب طريقة تواصله وقدرتي على تنفيذ العمل المطلوب، وبالتالي لا ضرر ولا ضرار.
بما أنّك مثلي عفوي في القبول والرفض، حيث أنّك تقوم بما هو الانسب لك الأن وفقط ولا تتقيد بأيّ أمر، ألا تعتقد معي أننا من المُمكن أن نُظلم أحياناً حين نقبل بأسعار متدنية ليصبح بعد في المستقبل بنظر العملاء مثلاً هذا سعرنا الذي يجب أن نشتغل عليه دائماً؟
فمثلاً أنا أعرف عميل اشتغلت معه لست أشهر تقريباً، كان سعره أكثر من مناسب بالنسبة له، كان محظوظاً فعلاً بالعمل معي، لكن حين طلبت ارتفاعاً هامشياً بسيطاً في العمل خرب كل شيء! وظنّ أنني أغلّي على سعري الأساسي، رغم أنني أعمل أصلاً بعد الزيادة بأقل من سعر السوق!
ما حدث معك مجرد حالة لا يمكن تعميمها، فليس كل العملاء على هذه الشاكلة، وذلك بحكم تجربتي الشخصية في العمل ضمن منصات العمل الحر لأكثر من (6) سنوات.
تعاملاتي مع جميع العملاء بسيطة وواضحة، لذا لم تواجهني مشكلة من هذا النوع خلال مسيرتي بأكملها، لأسباب منها:
1) حين قبلت تقديم خدمة للعميل المذكور بسعر زهيد، وضعت في ذهني أن السعر لن يتغير، فلم أطالب بزيادة إطلاقاً على مدار أشهر، مع وضع أمر في الحسبان، وهو قدرتي على تنفيذ الخدمة بنفس السعر بشكل دائم دون إشكاليات.
2) قبول السعر الذي طرحه العميل كان على خدمة واحدة من خدماتي، لذا أعلمته من أول يوم تعاملنا فيه أن باقي خدماتي أسعارها مختلفة، وأنني أقدم له هذا السعر التنافسي على هذه الخدمة فقط.
3) صفحتي بكل أركانها، ومعرض أعمالي، وما أنشره في المنصة من مقالات هادفة كان العميل نفسه أحد المعلقين على بعضها لإعجابه الشديد بأسلوب الطرح والكتابة على حد تعبيره، جعله مدركاً أن قبولي للسعر الخاص بتلك الخدمة كان من باب كسبه كعميل دائم، فلم يمانع شراء خدمات أخرى بالسعر الذي طلبته دون أي نقاش، وعبر عن امتنانه لقبولي تقديم الخدمة المعنية بالسعر الذي طلبه، معللاً ذلك بعدم قدرته على دفع مبلغ أكبر لهذه الخدمة تحديداً لأسباب شخصية.
4) تقديمي لجودة عالية لقاء خدمة بسعر منافس جداً (جودة لم يحصل عليها من أحد آخر حسبما أشار)، والتزامي التام بمواعيد التسليم، فضلاً عن الرد بلباقة دائماً، كان سبباً في قبوله دفع السعر الذي يناسبني بخصوص خدمات أخرى أقدمها.
كانت هذه بعض العوامل التي تجعل قبول عمل بسعر زهيد لا يجعلك ملزماً بتقديم كل خدماتك بنفس السعر، بل يمنحك مرونة في طلب السعر الذي تريده على خدمات أخرى طالما اقتنع العميل بجودة ما تقدمه عموماً، وارتاح لأسلوب تواصلك معه، والتزامك بمواعيد التسليم دون أدنى تأخير.
عدا ذلك، يمكن تقديم سعر زهيد لفترة مؤقتة، كأن تخبر عميلاً أنك مستعد لكتابة 5 مقالات مقابل 10 دولارات لمدة شهرين أو ستة أشهر فقط، أو لفترة مؤقتة تعلن نهايتها في أي لحظة (فعلت ذلك مع عملاء آخرين، عاد بعضهم لطلب نفس الخدمات بالسعر الجديد الذي كان أضعاف السعر الأصلي).
لهذا كله، أقبل بسعر معين بناء على معطيات عدة ذكرت بعضها في تعقيبي السابق، وقد يكون لفترة مؤقتة أو دائمة حسب تقييمي لطبيعة الزبون، وقدرتي على الوفاء بالمطلوب... إلخ.
هل يمكن أن يعتاد البعض على سعر معين؟
الكثير من العملاء سيعتادون على السعر الأولي، مما سيجعلهم يرفضون دفع سعر أعلى لقاء نفس الخدمة. لهذا أحرص عموماً على عدم إعطاء سعر يمكن أن أتراجع عنه في أي لحظة، أو أعطي سعراً مخفضاً لفترة محددة أو قابلة للإنهاء في أي وقت مع إعلام العميل بذلك حرفياً حتى لا يفاجأ.
أذكر أن أحد العملاء رغم إشادته بعملي كثيراً، إلا أنه ألح على السعر الأصلي عندما انتهت مدة التخفيض التي أعطيتها له، فلم أرغب أن أفقده لأسباب عديدة (طيبة تعامله، تسليم أي طلب فور الانتهاء منه دون الرجوع إليه كل مرة - طلبه لموضوعات في مجال أحبه «تطوير الذات» - قبول جميع الأعمال مع الإشادة، دون أدنى نقاش أو مطالبة بتعديل واحد رغم كثرتها)؛ مما دفعني إلى استكمال العمل معه بشكل دائم بنفس السعر الأولي، رغم أنه منخفض نسبياً.
هذا التعليق قد اعتبره استراتيجية كاملة لي في العمل في المستقبل، تحديداً في مسألة التسعير طبعاً، سأعمل بهذه العقلية، كل شيء يجعلني أقول أنّ هذا فعلاً ما يجب أن يكون عليه الأمر، إلّا بند واحد أشكُّ في صحّته:
عدا ذلك، يمكن تقديم سعر زهيد لفترة مؤقتة، كأن تخبر عميلاً أنك مستعد لكتابة 5 مقالات مقابل 10 دولارات لمدة شهرين
مُعظم العملاء الحاليين الذين أواجههم أعتقد بأنّ ليس لديهم خبرات واسعة في مجال التسعير وجودة الكتابة ولا حتى الـ SEO والمواقع وكل هذه المتغيّرات، لذلك هذه العروض كنت استخدمها زمان ولا أسمع أي رد تفاؤلي أو متحمّس في هذا الصدد، ليعتبر صاحب العمل بأنّك ربما تطرح السعر المنطقي الذي في السوق، السعر الطبيعي، وهذا كلّه برأيي يعود للجهل بالعمل الذي يطلب المساعدة فيه وبسبب كثرة الأشخاص الذين باتوا يندرون أوقاتهم، كل أوقاتهم في البحث عن فتات حقيقي، لا عمل يمكن أن يُعين في الحياة، وهذه النسبة الكثيرة من الناس تُربك مسألة التسعير غالباً عند المستقل، يقلّ هامشه تدريجياً ليتماهى مع سوق لا يشتري بالرقم الشخصي المطروح.
مسألة جهل العميل بالخبرة والجهد المطلوبين لإنجاز العمل الذي يطلبه، هي بالفعل أحد المعوقات الرئيسية التي تحول بينه وبين تقدير عمل المستقل مادياً ومعنوياً.
وخدمات الكتابة على وجه الخصوص، هي من أكثر المجالات المظلومة برأيي، لأن الإنسان العربي اليوم، إلا ما ندر، لا يقرأ، ولا يدرك جيداً الفرق بين الكتابة الجيدة من الرديئة، ولا يقدر قيمة الكتابة أصلاً.
أحد العملاء قال مرة لزميل عمل لي عندما طلب الأخير مبلغاً معيناً لقاء كتابة مقالات معينة: «هل تكتب بماء الذهب مثلاً حتى تطلب هذا السعر؟!». وزملاء عمل في نفس المنصة التي أعمل فيها (يعملون في مجال مغاير لمجال الكتابة)، صرحوا بأشياء من قبيل: «كل متعلم يستطيع الكتابة»، «الكتابة سهلة، هي مجرد جمع معلومات، ولا تحتاج لخبرة».
كل ما أرجوه هو أن تجمعنا الأيام مع أناس يقدرون اللغة والكتابة حق قدرها.
هذا هو تمامًا ما أريد الإشارة إليه يا نبراس، أن الأمر لا يتخطّى مسألة العرض والطلب. من جهة، لدينا بعض نماذج أصحاب الأعمال الذين ينظرون للمستقلّين دائمًا بنظرة الاستغلال أو الاتهام بفرض الزيادة السعرية، وعلى الجهة الأخرى، نجد بعض المستقلّين يتّهمون أصحاب الأعمال بأنهم يبخسون الأسعار وأنهم يبذلون جهدًا في عملهم لا يضاهى ولا يُفهم. كلّها معايير لا علاقة لها بالمهنية، فالأمر هنا محكوم بالعرض والطلب ليس إلّا، والتفاوض يجب أن يتم في إطار هذا المبدأ وكفى.
عند التفاوض على السعر في الغالب يكون هدف صاحب المشروع هو تقليل الميزانية و ذلك لا يحدث أحياناً بسبب موقع المستقل الجغرافي و ذلك لاختلاف العملة المحلية و كم يعادلها بالدولار فإذا كان المستقل من بلد تكلفة المعيشة عالية سيكون قيمة العرض عالي و سيصر على بقاء الميزانية عالية و يمكن إنقاص الميزانية إذا كان المستقل من دولة تكلفتها المعيشية قليلة ، و أيضاً طبيعة المشروع لها دور كبير في الميزانية ، فإذا كان المشروع كبير سيصر المستقل على بقاء الميزانية عالية، وكذلك الخبرة الأكبر والمهارات الكثيرة تتطلب ميزانية أعلى.
قد أختلف معكِ في هذا الإطار يا منتهى. لأن الموقع الجغرافي هنا لا علاقة له بالمعايير المهنية. علينا ألّا نغفل أن الحد الأدنى والحد الأقصى للتسعير في مختلف المجالات التقنية لوحد قياس الخدمة هو أمر أساسي، ويجب على أي محترف أن يكون واعيًا به، سواء كان صاحب مشروعٍ أو مستقلٍ. وبالتالي يجب علينا أن ندرك أن فكرة الدولة المستضيقة للمستقل قد تكون علاقتها بالأمر بعيدة بعض الشيء. إننا هنا نتعامل مع سياسة تسعير يعتمدها المستقل تبعًا لخبرته.
أهم ما قد تفعله يا علي لتضمن من المستقل أقصى جهده في مشروعك ألا تستغل حاجته وتبخسه حقه، فهذا وللأسف الشديد دائماً ما أراه وأسمعه في تجارب الآخرين، أرسل لي أحد العملاء على مستقل من قبل يقول لي نصاً:
(عدد المتقدمين على العمل كثيرين وكلهم محترفون لكني اخترتك أنت ولكن سنخفض الميزانية للنصف وأرسل لي نصف المشروع أولا ثم سنبدأ المشروع)
لم أرد على رسالته طبعاً لأني توقعت أنه أرسل نفس الرسالة لغيري، كما أن أسلوبه سئ جداً.
فإذا تعاملت مع مستقل احترم قدراته وجهوده ليحترمك ويتفانى في عملك، فأهم ما قد تفعله هو أن تعطيه السعر المناسب لجهده دون أي تخفيض أو تفاوض.
(هذا إن كانت ميزانيتك تسمح، وإن لم تكن عليك بشرح الأمر للمستقل وهو إما سيقبل أو لا)
(عدد المتقدمين على العمل كثيرين وكلهم محترفون لكني اخترتك أنت ولكن سنخفض الميزانية للنصف وأرسل لي نصف المشروع أولا ثم سنبدأ المشروع)
هذا النوع من العملاء لا أفصّل كمستقل العمل معه على الإطلاق. لأن التعامل على أساس الميزانية في المقام الأول يعتبر أحد مظاهر عدم الاحترافية.
ولمن فاتته مساهمتنا هنا يا عبد الرحمن حول نوعية المشروعات التي يتفاداها المستقلّين المحترفين، يسعدني أن أشارك بها من خلال هذا الرابط، حيث كانت النقطة التي ذكرتها واحدة من أهم النقاط في هذا الصدد:
كيف أتفاوض على السعر مع المستقل كصاحب مشروع؟
من وجهة نظري أركز على نقطتين، الخبرة في مجال المشروع، إذا كان المستقل صاحب خبرة في مجال المشروع فالميزانية ستكون أعلى من المستقل المبتدئ، الشخص إذا لم يعمل على مشاريع سابقة بكل تأكيد سيحتاج مني ثقة ويكون السعر أول نقطة نتفق عليها حتى إذا تم تخييب ظني والنتيجة لم تكن بالجودة المطلوبة لا تكون الحسرة أكبر مع الميزانية الصغيرة.
النقطة الثانية حجم المشروع، إذا كان المشروع كبير ومستمر لفترة طويلة فالميزانية تكون متوسطة لا كبيرة ولا صغيرة حتى يكون الطرفين مستفيدين.
بالضبط يا مريم، فقد اعتمدتي في تصنيفك على العديد من الأصعدة في المشروع وتقييم المستقل، والتي من أهمها:
كلّها نقاط تؤثّر على سعر المشروع. لهذا أشير إلى أن اعتماد صاحب المشروع على التسعير فقط، وجعل السعر الأقل أولوية بغض النظر عن بقية النقاط هو سمة غير احترافية على الإطلاق، ولا تؤدّي إلّا إلى إيذاء جودة مشروعه وتقليلها.
التعليقات