لا أفضّل على الإطلاق أن أحمّل أي نوع من أنواع الفن مسؤولية ليس في محيط الغرض منه. لكن في المقابل، لا نستطيع جميعًا أن نغفل انعكاس الكثير من الأعمال الفنية -خصوصًا على صعيد الموسيقى المعاصرة والشعبية- في الوقت الحالي على لغة الناس وسلوكيّاتهم تجاه بعضهم البعض في المجتمع، وهو ما قد يتفاقم إلى صور أخرى من العنف.
في رأيكم، هل للموسيقى المعاصرة دور في انتشار العنف في المجتمع؟
أوافقك أن الفن يعكس السلوكيات وتنعكس منه السلوكيات. وهذا قد نراه في اللغة والنكات المشهورة وبعض الأفكار. لكن لا أرى أنه قد يتفاقم لدرجة العنف.
لماذا لا نقول مثلًا أن الأفراد المرتبط نظام حياتهم بالشجارات والعنف هم من يميلون لسماع لتلك الموسيقى الشعبية وليس الموسيقى هي من تؤثر فيهم؟
بالنسبة لي أعتقد أن الموسيقى تؤثر في الحالة النفسية فالموسيقى الشعبية المعاصرة مثلًا موسيقى صاخبة وهي تجلب البهجة والحماسة في أغلب الأرجاء ولكن أن تؤدي بذاتها إلى فعل مثل العنف لا أعتقد وجوده بدون وجود نازع للعنف في نفس المستمع وبالتالي المشكلة هنا ليست مشكلة الموسيقى نفسها.
لماذا لا نقول مثلًا أن الأفراد المرتبط نظام حياتهم بالشجارات والعنف هم من يميلون لسماع لتلك الموسيقى الشعبية وليس الموسيقى هي من تؤثر فيهم؟
لا أستطيع للأسف أن أجزم بذلك يا أمنية، لأنني أنا عن نفسي أسمع هذه الأغاني في بعض المناسبات والأحيان، ففي الأفراح مثلًا والاحتفالات يتم تشغيلها، ولا أنكر أنها تمنح طاقة لا بأس بها من الترفيه والفكاهة. لكن الأمر أصبح لغة تواصل بين الناس، وهي المسألة الأخطر. فكيف يمكنني أن أتعامل مع الأمر من جهة كنوع ثقافي من الموسيقى، ومن جهة أخرى كسبب رئيسي في تحوّل لغة الناس إلى المزيد من العنف الاجتماعي والشعور بالسطوة والغرور غير المبرّرين؟
فعل مثل العنف لا أعتقد وجوده بدون وجود نازع للعنف في نفس المستمع وبالتالي المشكلة هنا ليست مشكلة الموسيقى نفسها.
هذا حقيقي فعلًا، والدليل أن نوعية التجاوزات مفسها في الأغاني الشعبية مثلًا موجودة بالفعل في مختلف أغاني الراب في دول أخرى، لكن الأمر لا يتصاعد اجتماعيًا بهذه الصورة التي نعانيها.
ومن جهة أخرى كسبب رئيسي في تحوّل لغة الناس إلى المزيد من العنف الاجتماعي والشعور بالسطوة والغرور غير المبرّرين؟
أنا أيضًا استمع عليها في العديد من المواقف مثلك ومع هذا لم نصب ولو بدرجة صغيرة من العنف أو السطوة إلخ. لذلك ما أحاول التفكير فيه معك أنه ربما قد حظى هؤلاء الناس على هذه الصفات من السابق وما كانت الموسيقى إلى مجرد عرض لها بشكل واضح وثابت بينهم.
لكن تأثيرها على شخص ما من ناحية خلق تلك الصفات بداخله لا أعتقد بوجوده بصراحة
الموسيقى المعاصرة اليوم لا اراها تحمل أي قيمة مضافة لتغيير للافضل في حياة الفرد من ناحية لكونها لا تحمل مضمونا مفهوما ولا معبرا عن الواقع الحقيقي.
والمميز حقا في الموسيقى المعاصرة كونها تمزج في إخراجها بين الالات ذات الإيقاعات الهادئة وقوائم التشغيل المعاصرة موسيقى الروك الناعمة، والروك الشعبي.
الموسقين المعاصرين لو جمعناهم كلهم لن يصلوا إبداع نجوم البوب البارزين أمثال سيلين ديون و جورج مايكل.
الموسيقي مثله مثل الكاتب من المفروض أن يجعل مشاكل المجتمع ضمن اولويات المواضيع الاي يكتب عنها ويعبر عنها بأنغام متناسقة منسجمة، ولكن سبب هذا التراجع الملحوظ في رأي هو الخوف من تكميم الأفواه والدخول لزنزانة.
مع العلم أنني فعلًا أرى أن الأمر له جانب سلبي، فأنا لا أتفق معكِ في المفهوم نفسه يا عفيفة، حيث أن الغرض من الفن لن يكون أبدًا إصلاح المجتمع، وإنما عكس المجتمع نفسه أمام المتلقّي، فأنا لا أرى أن الفن له دور إصلاحي، وإنما له دور توعوي، والفارق بينهما كبير، حيث أن الدور التوعوي هو الدور الذي يضع أمامنا الحقائق والطبائع والسمات مجرّدة، أما الدور الإصلاحي فهو يتمثّل في البعد عن نماذج معيّنة وتصدير نماذج أخرى، وهذا السلوك ليس من سمات الفن على الإطلاق.
الدور التوعوي والإصلاحي أراهما وجهان لعملة واحدة يا علي، ألن تقود الدروس التوعوية بطريقة غير مباشرة الى إصلاح من العادات السيئة التي يحملها الفرد؟
الفن بشكل عام له دور فعال وإيجابي في حياة المجتمعات، ويمكن إعتبار سلاح ذو حذين، والمتلقي لا يتأثر فقط بالموسيقى وإنما الأمر أبعد ليصبح يقلد تصرفات وتسريحات الشعر لشخصية المغني المفضل لديه.
بما أنَّ العنف بمثابة رسالة تُقدَّم يا عليّ، فالطبع هي مسامهة بشكل أو بآخر في تشكيل ثقافاتٍ وعقولٍ وربما مباديء.
وبالأخص في عصر محدود السيطرة فيه على فئاته كما في عصرنا هذا.
الطفل الصغير أصبح ينكب على يوتيوب لساعات عديدة، فتجد.أن من السهل جدًا أن يكتسب من الصفات أسوءها إثر سماعه لالفاظ غير لائقة في أغنية، أو مشاهدة اعلان عابر .. الخ.
موسيقى اليوم _ أغلبها _ مليء بالفوارغ، صدقًا ما هي إلا وعاء أجوف يمتليء من بيع الوهم للشباب ..
أصبح الكثير يعتمد من المبادئ والأفكار أسوءها فقط لتداوله في عمل فني / موسيقى ..
أعمال لا حصر لها تتناول فقط افكار لكينونية الشاب البلطجي وتضعه في إطار " الجدعنة " وانظر كم شخصًا أصبحت له تلك النماذج قدوة.!
الطفل الصغير أصبح ينكب على يوتيوب لساعات عديدة، فتجد.أن من السهل جدًا أن يكتسب من الصفات أسوءها إثر سماعه لالفاظ غير لائقة في أغنية، أو مشاهدة اعلان عابر .. الخ.
على الرغم من أنني أرى أن الدور الخاص بالفن ليس بالضرورة أن يكون إصلاحيًا فعلًا، فأنا أجد فعلًا أن تعرّض الأطفال لهذه النوعية من الفن، سواء كان يحتوى على اللفظ الخارج أم لا، هو شيء سلبي للغاية، حيث أن عملية تشكيل الطفل لها حساسية لا ندركها جميعًا، وبالتالي فإن أبسط التفاصيل من الممكن أن يكون لها التأثير الأكثر سلبية عليهم.
أعمال لا حصر لها تتناول فقط افكار لكينونية الشاب البلطجي وتضعه في إطار " الجدعنة " وانظر كم شخصًا أصبحت له تلك النماذج قدوة.!
لقد أشرتي إلى النقطة الأبرز يا نورهان، فالأمر تعدّى فكرة انعكاس البيئة غير المقصود في القالب الفني، ووصل إلى مرحلة من اللهجة واللغة لا تطاق، ولا تتغير، بل تتدهور كل يوم من سيء إلى أسوأ.
في رأيكم، هل للموسيقى المعاصرة دور في انتشار العنف في المجتمع؟
لا اعتقد ذلك وان كنت ارى ان الموسيقى الحالية الجيد منها يطغى عليه النسخ والحفاظ على الماضي الجميل والتراث العريق، والباقي هو مجرد موسيقى خالية ليس لها معنى وتفتقد الى الاحترافية والثقافة الابداعية والرسالة الفنية الاصيلة.
وبالطبع هناك الكثير من الفنانين والموسيقيين الجيدين مازالو يتواجدون على الساحة الفنية وينتجون الكثير من الالبومات الموسيقية الممتعة.
بالتأكيد هنالك فئة لا تختفي من الفن الجيد. لكنني لا أعني ذلك بالطبع، وإنما أقصد يا صديقي الفن المؤثر للأسف، فالفئة التي تشير إليها حضرتك لا تمثّل السواد الأعظم: تلك الجموع التي تتأثّر بأبسط التفاصيل وأكثر تفاهةً، وتبحث عن لهجة أو لغة تتحدث بها لا تنم إلّا عن الغرور والشعور المفرط بالذات الإنسانية، وهو الأمر الذي تدعمه هذه الموسيقى، لذلك فالمفاهيم والمشاعر العامة في الشارع اليومي اختلّت من المنطلق نفسه في رأيي، وعدد هذه الفئة كبير جدًا للأسف.
اتفهم وجهة نظرك اخي علي واضم صوتي اليك وان مازلت مقتنعا بوجود الكثير من الفنانين الموسيقيين المحترفين في هذا العالم علينا ان نعطيهم الفرصة الكاملة للابداع الفني الموسيقي الملهم للخيال والمحرك لكل المشاعر والاحاسيس الجميلة داخل اعماق وجداننا.
أنا شخصيا من محبين الفن والموسيقى بشكل كبيرة، ولذلك أحرص على البحث عن معلومات موثوقة حول تأثير الموسيقى والأغاني كوني أستمع إليها بكثرة. وهنا أود ذكر دراسة مثيرة الاهتمام وموثوقة من قبل دكتور ياباني يدعى مسارو إيماتو، حيث تم تعريض كوب من الماء لموسيقى كلاسيكية وكوي آخر لموسيقى صاخبة كالراب ومن ثم تجميدها ومراقبة ذراتها، ففي حالة الموسيقى الكلاسيكية، كانت ذرات الماء تشكل أنماط جميلة ومتناسقة على عكس الماء التي تعرضت لموسيقى صاخبة، وكون الإنسان يتكون بأغلبه من ماء، فلا بد من أننا نتأثر بشكل كبيرة بالموسيقى سواء سلبيا أم إيجابيا.
ولكن الموسيقى العاصرية ليست بكاملها هابطة فلا يزال يوجد فنانون معاصرون يقدمون أعمال جيدة وقريبة من النمط الكلاسيكي. فيمكن أن نقول بأن الموسيقى الهابطة والتي تخلو كلامتها من أي قيمة، هي واحدة من العوامل الكثيرة التي تسبب انتشارا للميول العدوانية.
التعليقات