عندما يأتي الحديث عن الزواج فنحن أمام رأيين، رأي يرى أن الزواج ما هو إلا قسمة ونصيب لكن في المقابل هناك من يراه قرار نابع بمحض اختيار الشخص.
فبرأيك، هل الزواج نصيب أم أنه حقا اختيارا؟
الزواج مزيج من ذلك وذاك ، نصيب سواءا كان اختيارا او قرار. كل الأشياء التي تمر بالانسان هي قسمة ونصيب، كلها بأمر الله تعالى، زواجك ياتي بقدر، نجاحك بقدر، رزقك بالاولاد بقدر، وفي سورة القمر ذكر ذلك في اياته: " وانا كل شئ خلقناه بقدر" .
وهو مقدر منذ الازل في لوح محفوظ ، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام : إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء .."، وبالرغم من انه مقدر الا انه لابد ان نعمل بالأسباب و نجتهد في طلب الرزق، كما ان مرافقة الصالحين هي ما تجعلنا نحظى بزواج طيب وفق ما يطلبه الله تعالى منا.
السؤال هنا هل لماذا تقال كلمة "نصيب" ؟ يقولها البعض هروباً من بؤس حياته الزوجية وعدم قدرته على حل مشاكله مع شريكه لسببٍ أو لآخر، أو تقال كنوعٍ من التعبير عن الرضا بتأخر الزواج أو للهرب من المزعجين من الأقارب والمعارف وإلحاحهم لتعجيل الزواج، وهذه الاستخدامات المتعددة للكلمة تخلق نوعاً من الإشكال فهل يعني كون الزواج قدراً ونصيباً أنه لا علاقة باختيارك بوقوعه وإتمامه، ولو عكسنا الأمر، فهل يعني اختيارك لزوجك أنّ الأمر بعيدٌ عن "النصيب" ؟ وهل زواجك يعني أن شريكك هو "نصيبٌ" يجب أن يشاركك بقية حياتك بدون قيدٍ أو شرط؟
نعم، الزواج نصيبٌ يقع باختيارك (أو يفترض أن يكون هكذا فلا يخلو الأمر من حالات إجبارٍ أو إحراجٍ عائلية قد يرضخ لها البعض) إلا أنّ كلمة نصيب كثيرٌ ما يتم التلاعب بها بدلاً من مواجهة المشكلات المختلفة المتعلقة بهذه العلاقة..
لما لا نجمع بينهما؟ الزواج قرار واختيار وتجربة نسعى لها لتخرج بأفضل طريقة ممكنة ومناسبة لنا
أما النصيب فكل شيء في الواقع هو نصيب وقدر وقد يكون ذلك القدر جيدًا وقد لا يكون وقد يجلب لنا السعادة وقد لا يجلب وقد يكون القدر الأخير وقد يكون من نصيبنا أن نمر بتجارب أخرى. فإذن لا داعي لجعل أمر النصيب في منافسة مع أمر الاختيار والقرار فمجرد كون الأمر مقدرًا لا يعني كونه جيدًا لذلك التوقف عن القرار الجاد والاختيار المناسب أمام فكرة النصيب لن تجيء سوى بالسلبيات علينا في النهاية.
كما أن كلمة النصيب عندما تقال كإجابة على عدم محاولة التغيير والتطوير فهي مجرد محاولة للتهرب من مواجهة أننا غير راضين عن واقعنا. فنعم هناك نصيب ولكننا لا نعلمه على الإطلاق!
هذا السؤال شبيه بمسألة هل نحن مخيرون أم مسيرون، وشرح الإجابة على هذا السؤال ليست بالسهلة أبدا. فأنا أنظر للموضوع على أنه مزيج من الاثنين، الزواج هو خيار سهل الله حدوثه. وأؤمن أيضا أن هذا النصيب الذي يكتبه الله لنا، هو مبني على الدروس التي يجب أن نتعلمها وهو أيضا نتيجة لمعتقداتنا.
ففي الكثير من الأحيان، يود الطرفين بشدة الارتباط ببعضهما البعض ولكن تحدث ظروف استثنائية تمنع حدوث هذا الارتباط وتعرقل أي مساعي تجاهه. فنجد أن الطرفين منسجمين ويريدان الزواج، ولكن نلاحظ معاكسة القدر لهذه الإرادة. بعد الانفصال بفترة، تتسها الظروف لكل من الطرفين للارتباط بأناس آخرين، ففي هذه الحالة نلاحظ دور القدر والإرادة الإلهية في هذا الموضوع.
من جانب آخر، نلاحظ أيضا الارتباط بين معتقدات الإنسان ونوعية الشركاء التي يجذبهم إلى حياته. ففي الغالب، نلاحظ أن من يميل إلى التضحية المبالغ فيها أو التسامح المفرط، غالبا ما ينتهي به المطاف مع شريك يستنزفه. فإن لاحظنا طباع كل إنسان وطباع شريكه، سنلاحظ أننا نحصل لا على ما نريد، بل على ما نستحقه للنتعلم. ونلاحظ أيضا في موضوع العلاقات، أن الإنسان الذي يحسن من طباعه وسلوكه في العلاقات ويقدر نفسه بشكل أفضل، غالبا ما تضعه ظروف الحياة مع شركاء أفضل من أولئك الذي كان يحصل عليهم في السابق.
أخيرا وليس آخرا، لا يمكن أن ننكر أهمية القرارات التي نأخذها ونحن نعلم من ديننا أننا نتمتع بإرادة حرة، وإلا لما وجد الحساب. فالشحص الذي يتعرض لسوء معاملة من قبل الشريك في فترة الخطبة ويبقى عازما على الزواج به، لا يمكن أن بلوم النصيب.
باختصار، يجب أن نعمل على تحسين قدرتنا على الاختيار الصحيح والعمل على التحسين من أنفسنا على جميع الأصعدة كي نزيد من استحقاقنا لشريك أفضل. ولكن عندما نجد أن الظروف تعارض اختيارنا، يجب أن نؤمن بالحكمة الإلهية من وراء ذلك.
التعليقات