في رواية عالم صوفي للكاتب جوستاين غاردر، هناك نصيحة استوقفتني ولكن شعرت بأنها لا تكفي كي أكون فيلسوفا، النصيحة تقول أن مهارة القدرة على الاندهاش يحتاجها كل شخص يرغب في أن يصبح فيلسوفا، لكن برأيي أن هذه النصيحة لا تكفيني، فما هي نصائحكم في هذا الصدد؟
ما الذي يجب أن تنصحني به كي أصبح فيلسوفا؟
كلمة فلسفة بحد ذاتها تعني محب للحكمة، لذا أهم صفة يجب أن يتصف بها الفيلسوف هي الحكمة للتعامل مع كافة الأمور المحيطة وفهم أبعادها المختلفة.
ثاني صفة أو مهارة مهمة هي التفكير النقدي، لا تتقبل شيئا هكذا بل اسأل وانتقد، فالفلسفة تتطلب منك أن تفحص بدقة وبشكل نقدي للحياة والعالم في مجمله. للقيام بذلك، يجب أن تكون خاليًا من التحيز.
الفيلسوف هو الشخص الذي يسكن في التأمل والملاحظة: يأخذ كل تجربة ويسعون لفهمها دون تحيز
القراءة، يجب أن تقرأ بالفلسفة بكافة أنواعها، وبالأعمال الأدبية الكلاسيكية، وهنا ويقترح أستاذ الفلسفة أنتوني جرايلينج قراءة الأعمال الأدبية في الصباح والأعمال الفلسفية في وقت لاحق من اليوم، فبالقراءة ستنتقد، وستضح لك مشاكل تحتاج لحلول.
المشاركة بالنقاش مثلما نفعل هنا، والغرض منه تعلم مهارات النقاش، ويرى العديد من الفلاسفة أن التبادل النشط للأفكار هو طريق مهم نحو الحقيقة، والغرض ليس الفوز بالنقاش بقدر التفكير النقدي تجاه أفكار الآخرين.
اخي المجهول ابدأ بطرح الاسئلة وطرح البدائل ثم التعمق في كل بديل والجذور المتأصلة لهذا البديل. فالفلسفة اخي الكريم هي التعمق في التفكير والاستفسارات المبنية على الملاحظات والمناقشات وتحديد الاسباب للوصول الى منطق واضح ولايتأتى ذلك الا عن طريق الدراية والمعرف والادراك.
وبالطبع عليك ان تكون قارئا نهما على دراية بمختلف المواضيع والثقافات وايضا تحديد منهج فلسفي واضح لتسير عليه وتكتشف اعماقه الفكرية.
لكي تصبح فيلسوفا أعتقد لا بد أن تطلع على النظريات الفلسفية وتاريخها، وآراء الفلاسفة في المسائل الكبرى؛ كمسألة الوجود العدم، نسبية الأخلاق، مسألة الخير والشر .. ومثل هذه القضايا.
فمن المستحيل أن يصبح الإنسان فيلسوفا بكثرة الاندهاش أو كثرة السؤال. فلا بد أن تطلع على ما سبقك في حقل الفلسفة، ولن تقدر على ذلك إلا بالفضول والتساؤل والاندهاش.
هذا المقطع يحتوي على أهم المراجع الفلسفية التي على المبتدئ في الفلسفة أن يقرأها، أتمنى من من لا يتفق مع الرجل أن يغض الطرف عن اختلافه قليلا ويستفيد من باب "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها التمسها".
الفلسفة بحد ذاتها تعني المحافظة على دهشة الأطفال تجاه العالم والموجودات وبالتالي وضع الأسئلة حول كل شيء، والتساؤل هو جوهر الفلسفة الذي لا يعيه المعظم، فجوها هو عملية فكرية مستمرة تهدف لفهم العالم ووضع تصورًا منطقيًا له.
يقول ويل ديورانت: الفلسفة تعني وضع احتمالية أنك على خطأ، فهذا الوضع الدائم لكل الأفكار يجعلها في حالة مساءلة وتمحيص مستمر وهذا ما يسمى بالتفلسف، فالفلسفة في جوهرها هي حرية الفكر
أهم ما يمكنني أن أصوّب إليه سهم النصيحة إضافةً إلى ما ذكره الأصدقاء هو الاطلاع، فنظرًا إلى أنني قد قرأت الرواية منذ سنوات، فيمكنني أن أضع نفسي بجوارك يا صديقي عند الحديث عن تفاصيلها، والتي تحتّم عليّ أن أذكر أهم تفصيلة اعتمد عليها الرجل المجهول في التواصل مع صوفي، وهي "الفضول": تلك الأداة التي لولا وجودها في رأس الطفلة ما كانت لتسعى إلى جمع هذه المعرفة الرائعة منه، وبالتالي فإن أبرز نصيحة يوجّها لنا منذ السطر الأوّل هي حب الاطلاع، الفضول الذي لا يموت أبدًا، والرغبة المتأجّجة للحصول على المعرفة.
يكتب التاريخ في زمانه لكي يبدو أكثر حقيقة وواقعية، والفلسفة والكتب الفلسفية وآراء الفلاسفة هي تعكس واقعهم الذي عاشوه وانعكس على قناعاتهم وبالتالي تشكلت اساليبهم في القبول او الرفض للظواهر والاشياء .
ان اخطر ما يمكن ان نعاني منه هو اعتمادنا على اقتباس مقولات لفلاسفة ومناقشتها كأنها أمر مجرد او ان كاتبها رجل عظيم جدا يجب عدم انتقاده. مع انه قد يكون كل منتوجه الفلسفي عبارة عن عمليات انتقاده لغيره ولواقعه ومجتمعه.
دعونا الان نتساءل: هل يمكن كي تكون فيلسوفا أن تكون ضعيفا في المعرفة وفن النقد وفي العلوم السياسية والادبية والفيزيائية وحركة النجوم ولغة الجسد وغيرها، كيف ستكون فيلسوفا قبل ان تكون متمكنا وخبيرا في كل ذلك. ام انك تأخذ مجال الفلسفة وان تكون فيلسوفا من باب الاعجاب بمقولات او من باب النقد لأقوال وشخصيات فلسفية .
وانا صغير السن ربما في عمر الــ12 كنت ملازما انا ومجموعة من الأطفال لأحد الشيوخ، لقد كان ياخذنا للمكتبة لقراءة كتب التفاسير ورياض الصالحين وتفسير ابن كثير وايضا القراءة في قضايا العصر ونظرات فلسفية .. الخ
لكن احد الشيوخ الكبار قال له، يكفيهم قراءة قصص الانبياء واستخلاص العبر منها وان يتزودا من القران الكريم قراءة وحقا. وأكمل بأن المقصود ان نصنع منهم اشخاص ناجون من طغيان الشيطان، ولا نحتاج ان يكونوا فلاسفة يجهلون امور دينهم البسيطة ...
وقبل ان تفيدني بذلك دعني اترك معك ما قرأته من قبل قليل : " أنه لكي تصبح فيلسوفًا ، يجب أن تدرس العالم والناس والقوانين التي تحكمنا (خلق الإنسان وطبيعته). عندما تمتلئ بكل هذه المعرفة ، يمكنك البدء في مناقشة الموضوعات المثيرة للجدل (يجب أن تبدأ بأشياء بسيطة في البداية) لترى كيف يمكنك انتقادها أو دعمها.؟"
هذا دعاني للسؤال: ماذا لو كان شخص ما ملحد؟ هل يمكننا توجيهه ليبحث في الطريق المستقيم وذلك من باب فلسفي؟
هو اعتمادنا على اقتباس مقولات لفلاسفة ومناقشتها كأنها أمر مجرد او ان كاتبها رجل عظيم جدا يجب عدم انتقاده. مع انه قد يكون كل منتوجه الفلسفي عبارة عن عمليات انتقاده لغيره ولواقعه ومجتمعه
اقتباسات مقولات الفلسفية هي التي تعرفنا حول ارائهم في مفاهيم معينة، كيف كانت نظرتهم لها. على العكس تمامًا من رأيك، أجد أن اقتباستهم وانتقادتهم توسع بعض المدارك العقلية لدينا، تذهب بعقولنا إلى فكرة الاندهاش بشكل أوسع.
وقبل ان تفيدني بذلك دعني اترك معك ما قرأته من قبل قليل : " أنه لكي تصبح فيلسوفًا ، يجب أن تدرس العالم والناس والقوانين التي تحكمنا (خلق الإنسان وطبيعته). عندما تمتلئ بكل هذه المعرفة ، يمكنك البدء في مناقشة الموضوعات المثيرة للجدل (يجب أن تبدأ بأشياء بسيطة في البداية)
هل هذا يكفي، أين قراءة النظريات والمفاهيم الفلسفية للفلاسفة. أين ممارسة الحكمة والتأمل؟
هل هذا يكفي، أين قراءة النظريات والمفاهيم الفلسفية للفلاسفة. أين ممارسة الحكمة والتأمل
الحكمة تكتسب مع المعرفة وتوفر المعلومات فهي المستوى الاعلى للخبرات ، والتأمل هو توجه فلسفي نحو استنباط واستشراف الامور من خلال قدراتنا على توظيف المعرفة الفلسفية وادارتها بالطريقة التي تمكننا من الاستفادة منها.
انا هنا اتحدث عن العامة وليس الخاصة .. ولا اتحدث عن المختصين في الفلسفة. وانا دعنا نتفق: هل نصطدم احيانا بتلك النظريات وقد نرفضها تماما ام نذهب لكي نناقشها لنقتنع بها.؟
قدرتك على التأمل وسبر أغوار المواقف من حولك وفحصها وتمحيصها بمنطقية هي من أهم الأشياء لتكون مفكراً.
فقبل أن تسعى لأن تكون فيلسوفاً، عليك أن تسعى لأن تعمل عقلك في الوجود من حولك، والتوصل بنفسك لما قد يؤرقك عدم معرفته، لذا فالضيق الذي يصاحب الشعور بالجهل لهو من شيم المفكرين والفلاسفة.
أتفق مع ما قاله غوستابن غاردر في روايته العظيمة "عالم صوفيا" والتي تعتبر بداية جيدة لمن يريد الدخول لعالم الفلسفة الملئ بالتساؤلات والأفكار، فكون الإنسان يمتلك القدرة على الإندهاش، فهذا يعني أن عقله سيتحفز للمزيد من التفكير في الأمر دون المرور من عليه مرور العابرين، ولن يتوقف العقل إلا بوجود جواب شافٍ لغلة اندهاشه.
كم أن الإهتمام بوضع وقت معين في اليوم وتخصيصه للإسترخاء والتأمل، لهو تمريناً جيداً جدا ًًلتصفية العقل من أي شوائب، وتجهيزه لاستقبال الأفكار التي قد تكرأ عليك وأنت غير جاهز فتتجاهلها، ولكن الإسترخاء لبعض الوقت في اليوم يجعل من عقلك بيئة خصبة لتلك الأفكار التي قد تتفرع كل فكرة منها لعدة تساؤلات بحاجة لإجابة.
القراءة في مختلف المجالات من أهم أهم ما قد تفعله وأنت تسعى لأن تكون مفكراً او فيلسوفاً، فالقراءة توسع مدارك العقل، وتمدده حتى يقبل الفلسفات والنظريات ومئات الفروض للشئ الواحد، فاسعى لأن تكون قارئاً نهماً، فلا يوجد مفكر لا يقرأ.
واقرأ لمن لا يناسبك قبل الذي يناسبك. حتى تكتسب حساً نقدياً يساعدك على تطوير قدراتك العقلية.
اعمل على تدوين أفكارك دوماً بقدر استطاعتك، فالإنسان ما هو إلا مجموعة من الأفكار، وأعط لتساؤلاتك بعض الأهمية وابحث لها عن اجابات شافية، وفي أثناءبحثك ستتعرف على أشياء لم تكن تعرفها وسيفتح لك طرق أخرى عديدة للبحث، ووظيفتك ان تستغلها.
كن طفلاً في دهشتك..تكن فيلسوفاً.
التعليقات