يقول مالك بن نبي:"وليس اللباس من العوامل المادية التي تقر التوازن الأخلاقي في المجتمع فحسب، بل إن له روحه الخاصة به"
فهل تعتقدون أن اللباس يحدد أخلاق الشخص؟
الإجابة بالنسبة إليّ هي لا قاطعة. أنا أرى أن أي من سلوكيات الشخص هو شيء يعود إليه في نهاية المطاف. وبهذا أكون قد سحبتُ من يدي السلطة كي أطلق الأحكام على أي شخص من خلال سلوكياته الشخصية.
أطمح في تغيّر مجتمعي نحتاجه جميعًا في مجتمعاتنا العربية، وهو أن نحافظ على المساحة الشخصية وحدود الخصوصية فيما بيننا، وأن نتوقّف عن إطلاق الأحكام بشكل نهائي على الأشخاص تبعًا لآرائهم أو ملابسهم.. إلخ.
هو أن نحافظ على المساحة الشخصية وحدود الخصوصية فيما بيننا، وأن نتوقّف عن إطلاق الأحكام بشكل نهائي على الأشخاص تبعًا لآرائهم أو ملابسهم.. إلخ.
لا شك أن مجتمعاتنا العربية لا زالت عالقة في فخ إطلاق الأحكام تبعًا لأمور تعد شخصية، ولكن سيأتي أحدهم ويقول لا يمكننا أن تجرد تمامًا من صفة إطلاق الأحكام مهما كنا نؤمن بالحرية الشخصية، للوهلة الأولى حين تقابل أحدًا ستنظر لملابسه وتأخذ انطباع معين هل يمكن أن نعد هذا الانطباع حكمًا؟
بالتأكيد، فإذا كنتُ مصرًّا على أن الإنسان يستطيع أن يتمالك نفسه عن هذه المقارنة سوف أكون ساذجًا بالطبع. بكن من جهة أخرى، إطلاق الأحكام الذي أعنيه يتمثّل سلبيًا في التصريح بها، فعدم اتفاقنا على شيء معيّن أنا وأنتِ لا يعني بالضرورة أن يحاول أي منا إقناع الآخر، أو أن يحاول أي منا ترهيب الآخر، أو التعامل معه بطريقة غير مهذبة، ولا يعني بالضرورة أيضًا التدخل في شؤونه. هذا هو السياق الذي أعنيه يا زينة في مسألة إطلاق الأحكام. إن إطلاق الحكم مصحوب باتخذا ردة فعل من وجهة نظري. أما الرأي الشخصي الداخلي فهذا أمر آخر.
أطمح في تغيّر مجتمعي نحتاجه جميعًا في مجتمعاتنا العربية، وهو أن نحافظ على المساحة الشخصية وحدود الخصوصية فيما بيننا، وأن نتوقّف عن إطلاق الأحكام بشكل نهائي على الأشخاص تبعًا لآرائهم أو ملابسهم.. إلخ.
لكن يا علي كيف ذلك؟ ألا ترى أن ذلك غير ممكن
فأنا مثلا لو أراك في الشارع سيتبادر إلى ذهني تصور عنك، وتصنيف لك وحتى أحكام.
هل لديك فكرة كيف يمكنني إيقاف أحكامي؟
وايضا، هل ترى أن هذه الجملة أقصد لا تحكم ولا تطلق الأحكام أصبحت منتشرة كثيرا مؤخرا؟
رغم إيماني بأنّ اللباس حرية شخصية، وبأنه لا يمنحنا الحقّ بالحكم على الآخرين، إلا أنني مقتنعة بأنه يعكس طبيعة الشخص، ولكنه لا يحدّد أخلاقه.
حيث لا أظن أنّ اللباس بقادر على نقل أخلاق المرتدي له، لعوامل كثيرة منها ثقافته، وطبيعة تربيته، وقناعاته، وتأثره برأي الآخرين، وارتباطه بعاداته وتقاليده، والتزامه الشخصي، واكتراثه بمشاعر الآخرين.
يعني مثلاً الشخصيات الانطوائية الخجولة لها نمط في لباسها مختلف عن الشخصية المنفتحة المنطلقة.
الشخصية ذات الطبيعة الكتومة والمتحفظة لها غالب في اللبس يختلف عن سواها.
الشخصية ذات الطبيعة النرجسية لها طريقة باللبس تنقل نظرتها وإعجابها بنفسها.
الشخصية ذات الطبيعة العملية الديناميكية ستختلف في اختيار ملابسها عن تلك المهنية الرسمية.
هذا ما أعنيه.
أي أن الملابس تعبر عن شخصية الفرد، ولكن إذا كنا نعيش في مجتمع يحكم على المرء من ملابسه، ستجد أن كثير من الأشخاص وخصوصًا الفتيات يعتمدن نمط متشابه يرضي المحيط في اللباس، ولا يعكس بالفعل شخصياتهن أو تفضيلاتهن، فهل تعتقدين أن الملابس في مجتمعاتنا تعكس الطبيعة بالفعل؟
أم أننا بحاجة لبيئات مجتمعية أكثر حرية، وأقل حكمًا على أفرادها ليكون رأيك عمليًا؟
صدقيني طبيعتها ستظهر حتى وإن تمّ تكميم جسدها باللباس.
يمكنكِ أن تسيري في شارع كلّ مَن فيهم يرتدين الأثواب السوداء ويغطين الرؤوس والوجوه لكنك ستعلمين ضمنياً أيهن انطوائية وأيهن منفتحة وأيهن عملية وأيهن رسمية.. من حذائها.. من إكسسواراتها.. من رائحة عطرها.. من شكل حقيبتها ولونها.. وحتى من تفصيل الخياطة الخاص بعباءتها..
وهي جميعها أمور تعتبر جزءاً من اللباس لا تنفصل عنه.
وليس اللباس من العوامل المادية التي تقر التوازن الأخلاقي في المجتمع فحسب، بل إن له روحه الخاصة به"
هل يقصد مالك بن نبي أن اللباس يعكس ما هو أبعد وأعمق من الأخلاق بقوله له روحه الخاصة؟
فهل تعتقدون أن اللباس يحدد أخلاق الشخص؟
من دون شك اللباس يعكس الأخلاق والتوجه والاهتمامات وحتى النفسية، فنحن نختار ملابسنا بشكل عاطفي أيضا سواء الشكل أو اللون.
ومن الحكم والأقوال التي تنسب للشافعي ولا أدري إن صحّ ذلك:
لباسك يرفعك قبل جلوسك، وعلمك يرفعك بعد جلوسك
وهذا يذكّرني بقصة لطيفة وطريفة للإمام أبي حنيفة حين قال مقولته الشهيرة:
آنَ لأبي حنيفة أن يمد رجليه
وكانت هذه المقولة في حق ذلك الرجل الذي كان يرتدي لباسا أنيقا يشبه لباس العلماء، فظن أنه عالم جليل فقام بطي رجله وتربع رغم الألم، وبعدما جلس الرجل ثم سأل ابي حنيفة سؤالا اتضح خلفه أنه أبعد ما يكون عن العلم والعلماء فمد رجله وقال قولته الشهيرة.
وهذا يعني أن الملابس تعطي صورة عن صاحبها بدون شك.
هل يقصد مالك بن نبي أن اللباس يعكس ما هو أبعد وأعمق من الأخلاق بقوله له روحه الخاصة؟
لقد جاء في سياق أنه يحدد أخلاق المجتمع عامة والأفراد ويعطي روحًا خاصة تميز كل مجتمع أو حضارة عن غيرها من خلال الأزياء التقليدية للرجال والنساء.
ولكن أود أن أسألك كيف تعكس الأخلاق تحديداً؟
لربما للملابس أن تحدد توجهاتنا أو تظهر طبائعنا كما أشارت إيناس في التعليقات السابقة، ولكن كيف لها أن تحدد الأخلاق؟ وهل هذا ينطبق على الرجال والنساء؟
فهل تعتقدون أن اللباس يحدد أخلاق الشخص؟
دائماً ما تتردد على مسامعي جملة لا تحكم على أخلاق الشخص من ملابسه، و هي جملة صحيحة، فاللبس وحده لا يعتبر عاملاً كافياً لتقييم خلق الشخص و الحكم عليه، بل ان مظهره كله لا يخوّلك للحكم عليه و على أخلاقه، ولاتتضح شخصيته وأخلاقه إلا بالمعاملة و العشرة، ولكن دعنا نفكر في الأمر من زاوية أخرى، اللبس أحد العوامل الدالة على شخصيتنا، وإن لم يكن عاملاً مهماً، ولكنه بشكل أو بآخر يمنحنا تعريفاً بسيطاً عن أنفسنا، فمثلاً الفتاة التي لا ترى حرجاً في لبس التنورة القصيرة و الخروج بها، ربما دلّ هذا جوانب متعددة من شخصيتها كالتحرر و الجرأة، أما الفتاة صاحبة التي لا ترتدي إلا الماركات الفخمة و الخامات ذات الجودة و الثقل يدل ذلك على حب الظهور و التميز و هكذا، و كذلك مع الشخصية العملية التي لا تفضل الخروج بالملابس الرياضية الفضفاضة و المريحة .
الفتاة التي لا ترى حرجاً في لبس التنورة القصيرة و الخروج بها، ربما دلّ هذا جوانب متعددة من شخصيتها كالتحرر و الجرأة
هل تعتقدين أن المجتمع ينظر للأمر بهذه الطريقة؟
لا أعتقد ذلك الأخلاق نابعة من تصرفات الشخص وإحترامه وكيانه وليس مظهره الخارجي والرسول عليه السلام قال إن الله لا ينظر إلى صوركم بقدر ما ينظر إلى قلوبكم
الأخلاق معاملة وأسلوب واللباس يعكس ثقافة الشخص ليس إلا
يعني هل ستتفهمين يا شذا في إطار الوظيفة قيام موظفة بالحضور للعمل بالهوت شورت مثلا؟
أو أن يأتي زميلك للعمل حافي القدمين وبالبيجاما مثلاً في يوم العمل الحرّ الذي لا يشترط لباساً رسمياً؟
ألن تطلقي الأحكام في أعماقك إلى أنهما شخصيتان لا مباليتان ولا تتمتعان بالذوق العام ولا تحافظان على مشاعر الزملاء الآخرين؟
في المثال الذي ذكرتيه يا إيناس يمكن تكوين انطباع، عن أنهما شخصيتان لا مباليتان لأن لكل مقام مقال، ولكن السؤال وطرح شذا جاء في سياق طريقة اللبس في كل المناسبات في الحياة، فالمحجبة مثلا محجبة في كل المناسبات وفي كل مكان، وأما في مثالك فهل تعتقدين أن لابسهما يعرّف عن أخلاقهما؟
عزيزتي زينا، لا يمكننا التعامل مع حالة عامة وتجاهل الأمر بشمولية.
إن تعاملنا معه بعمومية جرّدناه من المصداقية، في مثل هذه الحالات علينا القياس على أصعب الحالات فإن وجدنا أنفسنا منزّهين عن إطلاق الأحكام، يمكننا الإيمان أننا سنكون كذلك في الأمور الأكثر شيوعاً.
لربما نحن ننظر للموضوع من زاويتين مختلفتين، لكن حتى في هذه الحالة سأمنع نفسي من إطلاق حكم أخلاقي، فقد تكون الفتاة التي ارتدت "الهوت شورت" على حد وصفك أو الذي أتى للعمل بالبيجاما، أكثر أشخاص أمنين في العمل.
ولكن هذا لا يمنع أن نفرق بين الزي المناسب في المكان المناسب dress code وإطلاق أحكام على نوع ملابس معين أو طبيعة لبس معينة.
ولكن هذا لا يمنع أن نفرق بين الزي المناسب في المكان المناسب dress code وإطلاق أحكام على نوع ملابس معين أو طبيعة لبس معينة.
أعلم ذلك.. الحالة مختلفة، وقد تكون ضعيفة الاحتمال جداً.. لكنها ليست مستحيلة..
ولأنها ليست مستحيلة علينا توّقعها، ليس لدراسة إمكانية حدوثها بقدر ما هو لنعرف ذواتنا تماماً، وما نحن مؤمنون به.
لأنني أظن أغلب مشاكلنا مع انفسنا أننا لا نعرف أدق التفاصيل المتوّقعة من شخصياتنا.. لكن مثل هذه الأمور تجعلنا ندرك ذواتنا تماماً، وحين نقول لا أطلق الأحكام فأنا أدرك تماماً أنني كذلك لأنني قستها على حالة صعبة لكنها ليست مستحيلة.
يحاول شخص معين تبرير تغييره للباسه بحجة أن اللباس لا يعني الأخلاق.
لم أفهم قصدك، ألا تعتقد أن الملابس شأن شخصي لا يفترض تبريره أصلًا؟
لا أحب أن نطرح أمثلة متطرفة عن السائد لنثبت صحة فكرة ما، فالواقع أن هناك أشخاص يغطون كل جسمهم وحتى وجوههم ويسيرون في الشوارع وأنت ذكرت مسيرات العراة في الشوارع وأرى أنا أن المثالين متطرفين، والتوسط مطلو في كل شيء.
أما بالنسبة لمثال المدرسة، فلا أعلم مصدر المثال، ولكن ما أؤمن به في هذا السياق أن ال dress code أو قواعد اللباس يمكن أن يتم تحديدها من قبل المؤسسات والشركات وغيرها، لالزام الأفراد بنمط لباس معين وفق ما يعتقد القائميين على المؤسسة بأنه يحقق مصالح المؤسسة، فمثلًا هناك أزياء خاصة بالعاملين في مجال الطيران، وهناك أزياء خاصة بالعاملين في القطاع الطبي، وإذا تم اسقاط إلزامية قواعد اللباس في أماكن العمل والدراسة لا يمكنك بعدها أن تطلب من الأشخاص الالتزام بقواعد يفرضها فرد على آخر، ولذا فبالطبع ستكسب الفتيات القضية وهذا المنطقي، ولكن الحل الأمثل هو أن تضع المدرسة أو المديرية زي رسمي يلتزم به الجميع.
كم نسبتهم مقارنة مع الطرف الآخر ممن لا يغطون شيء. نسبة ضئيلة جدا.
أعتقد أنك مخطئ فأنا لم أر شخص واحد في حياتي يسير عاريًا تمامًا كما تقول مع أنني أعيش في مدينة سياحية وفيها عدة ثقافات، وعلى عكس ذلك رأيت عدداً لا بأس به من الأشخاص الذين يغطون كل جسمهم حتى لا يمكنك أن تميز إن كانوا رجالًا أو نساء، فأرى أن مقارنتك ليست في محلها.
كما أنني لا أعتقد أن أي شخص مجبر على رؤية أي شيء، فالإنسان يتخير ما يشد انتباهه.
التعليقات