يقول ألبير كامو" كلّ إنسان يريد أن يكسب المال ليكون سعيداً ، فينفق كلّ جهودة ويكرّس أفضل جوانب حياتة من أجل كسب المال ، ثم يتم نسيان السعادة ويتّخذ المال كهدف وتتحوّل الوسيلة إلى غاية ! "
هل يمكن أن يتم اتخاذ المال كهدف رئيسي في حياتنا؟
في الواقع المال يشتري السعادة ويجلبها لنا لفترات محددة، عندما نحصل عليه سينتابنا شعور السعادة بلا شك. في البداية المال يعد وسيلة لنا للوصول إلى مركب السعادة، ففلان يبحث عن المال لتحسين حياته، وهناك من يبحث عنه لعمل الخير، لكن إن تحول المال إلى هدف وليس وسيلة فهنا تكمن المشكلة. للأسف الكثير منا يقع في هذا المستنقع فتجده بعد إن حصل على المال الذي كان في يومٍ ما يبجث عنه ليكون سعيدًا، أصبح يبحث عنه لأنه هدفه الآن، يبحث عنه سواء بالحلال أو الحرام، وسيقضي طوال عمره وهو يفكر في كيفية جلب المال وبطرق مصادر متعددة ،ستجد القلق ينتابه لمجرد إن خسر القليل من المال أو أن هناك صفقة لم يتم الحصول عليها وبالتالي يقع في دوامة من الضغوطات النفسية. فالمال في ذات مرة كان وسيلة والآن تحوّل إلى هدف يركض وراءه.
فينفق كلّ جهودة ويكرّس أفضل جوانب حياتة من أجل كسب المال، ثم يتم نسيان السعادة ويتّخذ المال كهدف وتتحوّل الوسيلة إلى غاية ! "
لا يمكن أن ننطلق من مفاهيم مثالية مطلقة ونتحدث عن أن المال وسيلة فقط، فكل شىء في الدنيا من الممكن أن يعتبر وسيلة وغاية، وذلك حسب وجهه نظر الفرد ،حيث أن العلم على سبيل المثال هو وسيلة للتقدم والرقي والراحة والسعادة، ولكن هناك من يعتبر العلم غايته في الحياة، دون النظر إلى أى تطبيقات برجماتية،يجد سعادته وشغفه في البحث العلمي والقراءة، وكذلك المال هناك من يراه وسيلة مهمة لتحقيق الراحة والرخاء ، ولكن هناك من يراه غاية ويسعى إليه وينفق وفته وجهده وصحته وعلاقاته الاجتماعية في سبيل الحصول عليه.
ومن وجهه نظري الشخصية يعد المال مجرد وسيلة ولكنها وسيلة مهمة جداً، وإذا تحول إلى غاية فسيستعبد المال الإنسان ويسخره لخدمته بدلاً من أن يكون المال مسخر لنا، وبدلاً من أن يستمتع الفرد بحياته وبما جناه من أموال، ويتنزه ويحافظ على صحته ويشارك الأصدقاء والأقارب في رحلات ممتعة، يظل طوال الوقت يفكر في ضيق الحال وكيفية توفير سيولة مالية لهذا المشروع وكيفية سد قيمة هذا القرض ويكون شديد البؤس أكثر حتى من الفقير المعدم .
العجيب في الإنسان هو أنه يركض للحصول على الأشياء ليحصل على شعور، كأن يسهر ويتعب ليحصل على المال ليشعر بالسعادة.
في حين أن السعادة متاحة وبسخاء في أشياء كثيرة عدا المال، لا يمكن أن ننكر أن المال أمر مهم وأساسي لتحسين الحياة لكنه لا يمنحنا السعادة التي نريدها.
الوسائل تبقى وسائل والغايات تبقى غايات، متى ما أخذت الوسيلة مكانة الغاية تعرض صاحبها للحزن واختلاط الأدوار والمفاهيم، وأصبح متخبطا في شباك نصبها بيده لنفسه.
هل يمكن أن يتم اتخاذ المال كهدف رئيسي في حياتنا؟
لستُ ممّن يعبّرون عن حبّهم للحياة من دون عملٍ أو من دون تحقيق شيءٍ ما، ولستُ أيضًا ممّن يكرّسون كل جوانب حياتهم للعمل على جمع شتات دخلنا المادي. لكن من هذه الجهة، أرى أن عملية الالتزام بسياق القواعد الاقتصادية والاجتماعية والاستثمارية التي يسير بها العالم ضرورية للحفاظ على أنفسنا من جهة، وللعمل على تحقيق شيءٍ ما لمستقبلنا من جهةٍ أخرى. وعليه، فأنا أحبّذ أن نكون على درجة من التعادل في هذا الصدد، ألّا نمنح حياتنا طابعًا عمليًّا مصمتًا يمنعنا عن الاستمتاع بها، وأن نلتزم أيضًا بالجانب العملي في إطار معطياتنا وما نريد أن نحقّقه.
التعليقات