اللغة هذا الكائن الغامض الذي نستخدمه يوميًا دون أن ندرك مدى تعقيده وسحره. ليست اللغة مجرد وسيلة للتواصل، ولا هي أصوات تتردد في الهواء، بل هي شبكة متشابكة من الرموز والأسرار ونظم تجذب العقول وتحبس الأنفاس فهي كهدير البحر او كطبول الحرب فهناك مفردات وصوراً للشر وهناك مفردات وصور للخير إنها لغز قديم يحمل في طياته كل ما هو إنساني؛ الحب، الخوف، المعرفة، والجهل الفلاسفة والعلماء لم يتوقفوا عن التأمل فيها وكأنهم يرون لوحة لا يراها غيرهم وكل يوم يسألونها "ما أنتِ؟" يحاولون فك شفرة غموضها، ولكن هل يمكننا حقًا الإحاطة بما هو جوهره لغز؟ انظر إلى اللغات حولك كيف تشكل العالم من حولنا وتحدد إيقاع حياتنا خذ كوريا على سبيل المثال، حيث الشبكات الرقمية تتنفس السرعة والكفاءة. البعض يقول إن السبب يعود إلى بساطة اللغة الكورية؛ لغة سلسة، تتيح لأبنائها التعبير عن أفكارهم بسرعة ودون تعقيد. بينما في الدنمارك، تجد لغة مختصرة، حادة في وضوحها، لا مكان فيها للإطناب. الأمر ليس صدفة؛ بل إن بساطة اللغة تعكس بساطة الحياة، وتسارع الأحداث يعكس قدرة اللغة على الاستجابة بسرعة ولكن ماذا عن لغتنا العربية؟ هنا ننتقل إلى عالم مختلف تمامًا؛ عالم من الشعرية والغموض، من الجمال والتعقيد. اللغة العربية ليست مجرد أداة للتعبير، بل هي عالم قائم بذاته، يُظهرك على أعماق لم تكن تعرفها في نفسك. المفردات تتراقص، تُكوّن لوحات شعرية تارة، وتفتح أبوابًا لفهم أعمق للحياة تارة أخرى. ربما تعتقد أن اللغة هي الواقع، ولكن الحقيقة أن اللغة قادرة على خلق واقعها الخاص، واقع قد يكون أكثر جاذبية وأكثر إغراءً من الحقيقة نفسها.ولكن هنا تكمن المفارقة. بينما تستمر لغات العالم الأخرى في التطور والتكيف مع متطلبات العصر الحديث، يبدو أن اللغة العربية قد تجمدت في مكانها، أو على الأقل، تتغير ببطء شديد. وكأنها خلية نحل مهجورة، لا تُنتج عسلًا جديدًا إلا نادرًا، حيث تظل محتفظة بالشكل القديم دون أن تتفاعل بشكل كافٍ مع المتغيرات المحيطة. لقد توقفت تقريبًا عن التطور والإنتاج كما كانت تفعل في عهد الجاحظ أو الأصمعي أو سيبويه.فهل يعكس هذا الجمود في اللغة جمودًا في الفكر العربي؟ وهل يمكن للمجتمع العربي اليوم أن يكسر هذا الجمود ويعيد الحياة إلى لغته؟ المهمة ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة. يمكننا أن نبدأ بتشجيع الإبداع اللغوي، والابتكار في استخدام اللغة، وإدخال مصطلحات جديدة تعبر عن مفاهيم حديثة. اللغة، في نهاية المطاف، ليست مجرد أداة تواصل، بل هي كائن حي، ينمو ويتطور مع نمو وتطور المجتمع.ربما تكون اللغة العربية اليوم بحاجة إلى من "ينكش" خلية النحل هذه، ليوقظها من سباتها. لأن اللغة، كأي كائن حي، تحتاج إلى من يعتني بها، يغذيها، ويجدد دماءها. بدون ذلك، ستظل خلية النحل هذه كما هي، جميلة نعم، ولكنها خالية من الحياة الحقيقية، عاجزة عن مواكبة العصر في النهاية، يبقى السؤال: هل نحن مستعدون لأن نُجدد حياة العرب أي حياتنا وحياة لغتنا العربية جنباً الى جنب ولنواكب متطلبات العصر؟ وأن لا تموت بادرات قوية ومهمة في مجال التقنية كالتي سبقتها صخر ولغة البرمجة ألف وقلب هل نحن قادرون على كسر هذا الجمود وإطلاق العنان للإبداع اللغوي الذي يحمل في طياته تجديدًا للذات العربية؟ وبالتالي حياة العربي عينُها تكون ذات مظهر عروبي لن يكون أمراً سهلاً بل أشبه الى المستحيل.
التعليقات