بسم الله الرحمن الرحيم

قصيدة الرجل والهادمة

سقطت إمرأة من علياء وبدأت تهوي وتسقط

فوقف الرجل أعلى الجبل ينظر إليها

وكانا من نفس الخلقة

ففتحت عيناها ونظرت إلى الرجل وتعرّفت عليه

ثم أغلقت عيناها وأكملت سقوطها

كانت تلك المرأة تمشي على الرصيف 

وكان الرجل يمشي ورائها

فنظرت المرأة بسرعة إلى الخلف

فحال بينهما جدارٍ غير مُدرَك

يُخفي الرجل عن عينها ونظرها

فلمست المرأة الهواء بيدها اليمنى وكأنها ترى الجدار

فحدث هدم في كل مكان وكأنه يستهدف الجدار

وإذ برجل يصرخ من خلف المرأة على يسارها

يقول وهو يصرخ: أيتها الهادمة…

وهو يمسك بكلتا يديه سكين 

فانقض عليها ليطعنها بالسكين

وإذ بالرجل يحول بينها وبينه ويمسك بكلتا يديْ المُهاجم

ويفرق بين يديْ المُهاجم ويسقط السكين

وركل الرجل الرجل المُهاجم ركلةً قوية في صدره بقدمه اليمنى

 فألقى به في عالمٍ آخر، وألقى بسكينه قبله

وسقط المُهاجم على ظهره بجانب سكينه

فهدأ ونظر إلى السماء وقال: حتَّى هو وصل

ووقف الرجل أمام الهادمة وظهره يُقابلها 

ثم إلتفت إليها فنظرت إليه الهادمة مليّاً وقالت:

أنت مختلفٌ عنّي رغم إنَّك مثلي،

سأُصبح في يومٍ ما مثلك، بأي طريقةٍ كانت

فنظر إليها الرجل مليًّا ثم عبر الشارع

وحالت بينهما حافلة مارَّة

 وعندما ذهبت الحافلة كان قد اختفى الرجل 

والتفتت الهادمة يميناً ويساراً فلم تراه

وفي يومٍ آخر نظرت الهادمة إلى منتصرين 

ورأت قريباً منهم من يُريد مهاجمتهم 

فقالت الهادمة: لو هزمتُ هؤلاء المهاجمين سأُصبح مثله،

ولكن أن يُهاجموا المنتصرين لأجل إفساد إنتصارهم عليهم، 

يُريني ذلك مدى فساد الدنيا، فيجب أن أهدم الدنيا بمن فيها

ورفعت الهادمة يدها اليمنى إلى السماء، فحدث هدمٌ عظيم

 وبدأت تسقط كُتل ضخمة كالحجارة الكبيرة المربّعة الشكل

وبأشكالٍ أُخَر، ونظرت الهادمة إلى الأعلى 

وقالت: حتَّى أنا أتاني الهدم!.. وسقطت الهادمة مغشيٍّ عليها

وجاء الرجل ووضع راحتيْ كفّيه بمقابل بعضهما 

وأنقذ المنتصرين وقال لهم: لقد نجوتم لوحدكم من دون أموالكم 

فقد كانت تلك الأموال هي من تُسلّط عليكم أمثال هؤلاء المهاجمين 

فلم يكن بُدّاً من ذلك فقد كان انتصاركم مؤذياً

وغادر الرجل فقالوا بعضهم: من هذا؟

فقالوا: اسمه فلان

فقالوا: إنه من نفس خلقة الهادمة

ثم إلتفتوا وقالوا: ولكنه لا علاقة له بها

ونظر الرجل إلى المهاجمين فوجدهم قد قتلوا جميعهم 

ونظر إلى الهادمة فوجدها مغشيٍّ عليها تحت هدم كالسقف المُنهار

ونظر إلى الهدم فوجد أنَّه سيجف ويتبخّر بعد أسبوع

فأرسل إلى الهادمة طاولة عليها طعام يأتيها طيلة اليوم 

وأرسل دورة مياه عليها ساتر، وأرسل سرير

فاستيقظت الهادمة ووجدت الطعام فعلمت أنه منه

ونظرت إلى ساتر دورة المياه ثم أزاحت الساتر بقوّة 

ونظرت فإذا هي دورة مياه

ثم نظرت إلى السرير وأخذت طعامها وجلست تتناول طعامها

واستمرت الأيام حتَّى انقضى أسبوع فجفّ الهدم وتبخّر

ودخلت الرياح إلى داخل كهف الهادمة 

وإذ بالطعام والسرير ودورة المياه تجفّ وتتبخّر

فقالت الهادمة: إنه مثلي ولكن ما لديّ للهدم وما لديه 

للنجاة وللإنقاذ وللإطعام والإسقاء

ثم إلتفتت يمينها وقالت: أعلم أنَّك تدري بي، 

سأُصبح مثلك بطريقةٍ أو بأخرى

وذهبت الهادمة في حال سبيلها

وفي يومٍ آخر رأت الهادمة مُسالمين تحت هدم

فقال لها أحدهم وهو الذي أنقذها من الهدم وأغشاها: 

هؤلاء مُسالمين 

فالتفتت إليه ثم نظرت أمامها

وقال لها هذا الشخص: هؤلاء المُسالمين 

حتى أشرّ كُلَّ شيء لا يؤذيهم

فلا أحد يمكنه أن يؤذيهم

ثم إلتفت إليها وقال: باستثنائكِ أنتِ

ثم قال لها: هؤلاء المُسالمين حتَّى  أشرّ كُلَّ شيء سينقذهم

 لو رئاهم على هذه الحال

ثم قال لها: يمكنكِ الآن أن تُصبحي مثله هو

فهدمك سيتحوّل بإنقاذ هؤلاء المُسالمين 

إلى نجاة وإنقاذ وإطعامٍ وإسقاء

وأنا ذاهبٌ الآن ولن أبقى معكِ فأنتِ شرٌّ عظيم

فنظرت الهادمة إلى الهدم والمُسالمين وقالت:

إذن يمكنني الآن أن أُصبح مثله، ولكن مُسالمين 

في هذه الدنيا، هذا أمرٌ يجب أن لا يحدث

ثم رفعت الهادمة يدها اليمنى إلى الأعلى وقالت: هدم

فحدث هدمٌ عظيم لم يسبق له مثيل 

وانهارت الأرض من تحت الهادمة 

وسقطت الهادمة من علياء عالي

وسقطت حجارة هدم على الفجوة التي سقطت منها

فقالت بينها وبين نفسها: ألا يراني أحد

ثم صاحت قائلة: أسمعوني أنا هنا

ولكن لم يجب أحد فاستسلمت الهادمة وأغمضت عيناها

وجاء الرجل وضمَّ راحتيْ كفيْه إلى بعضهما ونقل المُسالمين

آنياً من أسفل الهدم قبل أن يسقط عليهم 

وقال لهم: لقد نجوتم يا المُسالمين

والسلام عليكم يا المُسالمين في الأول والآخر وما بينهما

والسلام عليكم في كُلَّ شيء

ومكثوا المُسالمين قليلاً ثم ذهبوا جميعاً في وقتٍ واحد

وذهب الرجل إلى الهادمة ووقف أعلى الجبل 

فنظر إليها وهي تسقط، ففتحت الهادمة عيناها

ونظرت إلى الرجل طويلاً وتعرّفت عليه 

ثم أغمضت عيناها وأكملت سقوطها

فقيل له: هذه من يجب أن تكون زوجتك

فقال الرجل: لا زوجة لي في هذا الحالك

خالد القحطاني/ الوليد