صفحة الجــو الــزَّر ** قاء كالخدّ الصقيل

لمعة الشمس كعين ** لمعت نحــو خليــل

رجفة الزهر كجسم ** هزه الشوق الدخيل

حيث يممت مروج ** وعلـى البـعد نخـيل

قل ولا تحفل بشيء ** إنـما الكـون جميل

وأنا أقرأ هذه الأبيات المنسوبة لمحمود عباس العقاد وقعتْ عيني فيها على مشهد يعرض صورة تبتعد بالنفس عن ضجيج الحياة وفوضاها، وترتمي بنا في دفء الطبيعة وأحضانها، وتغرق بنا في مياهها العذبة الصافية. صورةٌ تذكرنا حقا بلوحات الفانين رسامي الطبيعة الذين هاموا بها عشقا وحبا هيام شجيرات الحدائق بالطير.

التفت للبحث عن قراءات اقتربت من هذا الشعر. والغريب أني عثرت على صورتين متناقضتين تماما. الصورة الأولى لناقد أدبي لمح في هذه الأبيات "ألفة عميقة بين الشاعر والطبيعة، هي ألفة الحبيب العاشق المتفتح الحس والنفس، المنهوم القلب والجوارح، ونكاد نلمحه، وهو ينشق بل يلتهم ما في الطبيعة الحبيبة من روح وجمال:

قل ولا تحفل بشيء ** إنـما الكـون جميل

قلها وانت تستنشق ملء رئتيك ما فيه من روح وحلاوة، ثم تستريح بنفس طويل!. قلها إنها لحظة تَجَلٍّ لروح ذلك الكون الجميل."

أما الناقد الثاني فقال معلقا: "أين الجمال في هذه الأبيات؟ ما هذه الصفحة؟ أهي السحب؟ هذا الفضاء الرحب، الفضاء المترامي الذي تسبح فيه الروح فلا تنتهي إلى غاية، هذا الفضاء خَدٌّ؟ هل يرى القارئ عين الحبيب وهي تلمع نحو الخليل فتشبه لمعة الشمس؟ لابد أنها عين حمراء تقدح الشرر وترسل اللهيب؟ وأما غاية العجب فتأخذك من قوله:

قل ولا تحفل بشيء ** إنـما الكـون جميل

تسمع قل ولا تحفل بشيء، فتنتبه حواسك، ويستيقظ إحساسك، ويصحو عقلك لهذا التحدي القوي وتلك الشجاعة النادرة، وتحسب أن الشاعر سيخرج عن قانون من قوانين الوجود، ثم تنظر فإذا به لا يأتيك بغير هذه الجملة المبتذلة "إنما الكون جميل" وأنت تتساءل عن سر هذا القصر وذلك التأكيد فلا تهتدي إلى شيء."

- رأيان متناقضان تماما: وأنتم ماذا ترون في هذه الأبيات، وأي الرأيين السابقين أصاب، أم أننا في عندما نكون في حضرة الجمال تتيه الأفهام؟ وهل من الممكن أن نتفق على نظرة واحدة للجمال؟