الآنَ فتحتُ ديوان المتنبي على أمل بالرغدِ من الشاعرية، والرؤى التي تمتد مثخنةً بالإبداعِ، وما في معناهُ كالحسنِ والجودةِ. وكان أول ما صادفني في الديوانِ بيتٌ من قصيدته "ليالي بعد الظاعنين شكولٌ"، وتعتبر هذه القصيدة من شعر المتنبي، ويكفي من الثناء في الشعر أن يقال للمتنبي.

البيت الذي غمرني بالدهشةِ هو:

وما شرقي بالماءِ إلا تذكرا

لماء به أهل الحبيب نزولُ

هذا البيتُ يحيلنا إلى ثنائية قديمة-جديدة تناولتها أيادي الكتاب، وأقلام النقاد قديما وحديثا. هي ثنائية الشكل والمعنى في صبغة سؤال: هل المزية (مأتى الحسن) في الشكل أو المعنى؟

قديما من أبرز المتكلمين عن هذه الفكرة هو الجاحظ، الذي فحوى كلامه أن المزية في اللفظ (الشكل)، إذ يرى أن المعاني ملقاة على الطريق متوفرة، ولكن المزية تكمن في اللفظ، وللفكرة الأخرى متبنون.

وأورد مقولة تدعم الفكرة الأولى وتنسب للمتنبي وهي: "الحكيمان أنا وأبو تمام، والشعر البحتري"؛ ذلك أن البحتري كان يغرب في ألفاظه.

مع أني لا أسلم بهذه المقولة إلا أنها تدعم الموضوع من جهة.

حديثا يقول ياكبسون دعما للمعنى الأول "إن القيمة الشعرية تكمن في إسقاط الألفة عن الأشياء في النص".

في ظل هذه الجدلية يرى بعض النقاد أن مدرسة المعنى يمثلها المتنبي بكل جدلية، وعلى شاكلته من المحدثين البارودي وأحمد شوقي...

أما المدرسة الأخرى فيمثلها أبو تمام إلى درويش في العصر العصر الحديث.

الجدل حول هذه الفكرة كما قلنا ليس جديدا ضمن النظرية النقدية الحديثة، بل هو قديم، وله شواهد منها ما ذكرنا.

برأيكم فيما جمال الشعر وشاعريته؟ وأي الفريقين أحق؟

وهل يمكن أن نحدد مكان الجمال بصفة عامة؟