بالأمس الاثنين الموافق21 آذار صادف اليوم العالمي للشعر، وبما أنه يتم تخصيصه لاحتفاء بالكلمات الموزونة ومن يقولها، فدعونا اليوم نحتفي بهذه المناسبة من خلال ذكر بيت شعري ما زال يعلق في ذهنك :)
في يومه العالمي، ما هو البيت الشعري الذي يعلق في ذهنك؟
رغم عشقي للمتنبي، ولكن بمجرد أن قرأت سؤالك تبادرت بذهني أنشودة المطر لبدر شاكر السياب:
عيناكِ غابتا نخيل ساعة السحر، أو شرفتان راح ينأى عنهما المطر.
عيناك حين تبسمان تورق الكروم.. وترقص الأضواء، كالأقمار في نهَر، يرجّه المجذاف وهناً ساعة السَّحَر
كأنما تنبض في غوريهما، النّجوم... وتغرقان في ضباب من أسىً شفيف... كالبحر سرَّح اليدين فوقه المساء،
دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف... والموت، والميلاد، والظلام، والضياء
فتستفيق ملء روحي رعشة البكاء... ونشوةٌ وحشية تعانق السماء... كنشوة الطفل إِذا خاف من القمر!!!!
كأنّ أقواس السحاب تشرب الغيوم... وقطرة فقطرة تذوب في المطر...
وكركر الأطفال في عرائش الكروم... ودغدغت صمت العصافير على الشجر... أنشودة المطر...
مطر... مطر... مطر...
تثاءب المساء، والغيومُ ما تزال... تسحّ ما تسحّ من دموعها الثقال....
كأنّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينام; بأنَّ أمّه التي أفاق منذ عام... فلم يجدها، ثمَّ حين لجّ في السؤال
قالوا له: بعد غدٍ تعود.. لا بدَ أن تعود... وإِن تهامس الرفاق أنهَّا هناك.... في جانب التلّ تنام نومة اللّحود
تسفّ من ترابها وتشرب المطر... كأنّ صياداً حزيناً يجمع الشباك... ويلعن المياه والقَدَر.... وينثر الغناء حيث يأفل القمر
مطر... مطر.. مطر...
أتعلمين أيَّ حزن يبعث المطر؟... وكيف تنشج المزاريب إِذا انهمر؟.... وكيف يشعر الوحيد فيه بالضّياع؟!!!!
بلا انتهاء كـ الدم المراق، كالجياع... كالحبّ، كالأطفال، كالموتى هو المطر!!!
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر... وعبر أمواج الخليج تمسح البروق
سواحلَ العراق بالنجوم والمحار... كأنها تهمّ بالشروق
فيسحب الليل عليها من دمٍ دثار... أَصيح بالخليج: يا خليج... يا واهب اللؤلؤ، والمحار، والرّدى!!!
فيرجع الصّدى، كأنّه النشيج: يا خليج... يا واهب المحار والردى... أكاد أسمع العراق يذْخرُ الرعود
ويخزن البروق في السّهول والجبال... حتى إِذا ما فضَّ عنها ختمها الرّجال... لم تترك الرياح من ثمود
في الوادِ من أثر... أكاد أسمع النخيل يشربُ المطر... وأسمع القرى تئنّ، والمهاجرين يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع،
عواصف الخليج، والرعود، منشدين: مطر... مطر... مطر...
وفي العراق جوع... وينثر الغلالَ فيه موسم الحصاد... لتشبع الغربان والجراد
وتطحن الشّوان والحجر... رحىً تدور في الحقول... حولها بشر....
مطر... مطر... مطر...
أعتذر.. أنتَ قلت بيت شعري.. لكنني أحفظها عن ظهر قلب.. فوجدت أصابعي تكتبها ثم توقفت.. أن يكفي حتى هنا..!!!
أعتذر.. أنتَ قلت بيت شعري.. لكنني أحفظها عن ظهر قلب.. فوجدت أصابعي تكتبها ثم توقفت.. أن يكفي حتى هنا..!!!
هذا شيء ملفت للنظر جدا يا إيناس، وحفظك لكل هذا الشعر جميل ولاسيما في هذه الأيام.
بالنسبة لي أحفظ قصائد أو محفوظات من الابتدائي أي فقط التي حفظتها في الصغر، كنت قبل فترة أهتم بحفظ أبيات مثل شعر الشافعي والإمام علي لكن ليس كثيرا.
ومن الأبيات التي أحفظها ويعجبني معناها جدا، هي تلك الأبيات التي كتبت على باب هيئة الأمم المتحدة:
قال لي المحبوبُ لمَّا زرتُهُ منْ ببابي قلتُ بالبابِ أنا
قال لي أخطأت تعريف الهوى حينما فرَّقت فيه بيْنَنَا
ومضى عامٌ فلمَّا جئتُهُ أطرُقُ الباب عليه مُوهِنا قال لي منْ أنتَ قلتُ أنْظُرْ فما ثم َّ إلاَّ أنتَ بالبابِ هُنا
قال لي أحسنت تعريف الهوى وعَرَفْتَ الحُبَّ فادخُلْ يا أنا
لازلتُ أذكر حين سمعتها أول مرة من الشيخ عائض القرني وكررها فكتبتها وحفظتها، كنت وقتها في المتوسط أظن، وأظن أن صاحبها الشيرازي .
هنالك أبيات لا تنسى يا دليلة.
قصيدة أنشودة المطر كانت ضمن مادة اللغة العربية في المرحلة الثانية..
لا أعلم لماذا.. ولا كيف.. وبرغم أنني شخص سيء التذكر.. لكن هذه القصيدة ومنذ المرة الأولى التي قرأتها بها دخلت قلبي وأثّرت بي.. فوجدتني أحفظها بكلّ تفاصيلها وصورها الشعرية التي ارتسمت حين قرأتها لأول مرة.
والمشكلة أنني لليوم كرهت سماعها بصوت محمد عبده رغم أنني أحبه كمطرب ولكن لا أعلم كيف رأيتها مشوّهة بذلك اللحن.
الشاعر في قصيدته هذه يخاطب فيها و يتذكر موطنه العراق، و يستجلب ذكرياته بحلوها و مرّها فيه و يستعرضها في تشبيهاته و حواراته التي تحسبها غزلاً في محبوبة ما، و لكن هذه المحبوبة ليست بشراً بل وطناً .
أعاد الله الحياة الجميلة التي وصفها السياب إلى العراق مجدداً .
يعمد أيضاً إلى تضمين فقدانه لأمه و حسرته عليها وهي التي توفيت في ليلة مطيرة حزينة تاركة ورائها طفل جريح ينتظر بأمل عودتها من جديد .
بالنسبة لي أحفظ قصائد أو محفوظات من الابتدائي أي فقط التي حفظتها في الصغر، كنت قبل فترة أهتم بحفظ أبيات مثل شعر الشافعي والإمام علي لكن ليس كثيرا.
أتذكر وانا في الصف الرابع أو الخامس الابتدائي، كانت هناك قصيدة لأمير الشاعر أحمد شوقي تسمى "برز الثعلب يومًا" المكونة من 13 بيت شعري، ولهذا الوقت ما زالت عالقة في ذهني. أيضًا بيتين شعرين للشاعر التونسي ابو القاسم الشابي:
إذا الشعب يوما أراد الحياة.... فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بـد للــيل أن يـنـجلـي.... ولا بـد للقــيد أن ينكسر
يبدو أن ما نحفظه ونحن أطفال قد لا ننساه كله، ربما بيت و بيتين يبقا عالقا في ذهننا.
رائع ايناس، لا أعلم منذ متى حفظتي هذه القصيدة، ولكن بدو لي أن لديك ذاكرة قوية ما شاء الله. لدي جدة أدام الله عمرها تحفظ قصيدة وطنية منذ صغرها أي وهي في مرحلة الابتدائية ولهذا الوقت لم تنساها. ليست قصيدة واحدة إنما أكثر من قصيدة. تخبرنا بهذا الأمر كثيرًا فعندما قامت مدرستها بتنيم مسابقة حول حفظ أبيات شعرية كانت جدتي من بين المتسابقيت وحصلت على المرتبة الأولى. أستغرب من ذلك ومن ذاكرتها القوية، وأحيانًا أخبر نفسي، ربما هذه الأبيات ما زالت عالقة في ذهنها كونها لم تكمل تعليمها ولهذا رأت أحلامها تتبعثر أمامها فلم يعد لديها سوى ترديد هذه القصائد.
على العكس تماماً.. أعاني مشاكل كبيرة في الذاكرة..
ولكن هنالك أمور تمسّ أعماقنا، وقصيدة السيّاب هاته منها.. تلك الأمور ستبقى معنا.. إنها كتلك التفاصيل التي مهما بلغ مستوى الإصابة بالزهايمر لا تفارق أصحابها وكأنها جزء من تكوينهم.
أدام الله الصحة والعافية على جدتك.. كانت لديهم عقول اهتماماتها واضحة، ونقاؤهم جزء منهم الأمر الذي ساهم على أن تبقى بعض التفاصيل في ذاكرتهم رواسخ.
إن الشعر هو الهبة الأولى بالنسبة إلي في الأدب، حيث أننا وهبنا هذه الإمكانية كي ننعم بقدر كبير من الرفاهية العقلية والروحية من هذا الفرع الرائع والعظيم من الإنتاج الإنساني. وعلى الرغم من تقديري لجميع الشعراء على حد سواء، وبالرغم من أن شعرنا العربي يزخر بالعديد والعديد من الشعراء الذين قدموا أعمال رائعة وعظيمة للإنتاج الشعري الإنساني، فإن أول ما يجول في خاطري الآن هي أبيات الشاعر الرائع محمود درويش، حيث يقول:
كم أَنت حُرُّ أَيها المنسيُّ في المقهى!
فلا أَحدٌ يرى أَثَرَ الكمنجة فيك,
لا أَحَدٌ يحملقُ في حضوركَ أو غيابكَ,
..
منسيُّ وحُرٌّ في خيالك، ليس لاسمكَ
أَو لوجهكَ ها هنا عَمَلٌ ضروريٌّ. تكون
كما تكون.. فلا صديقَ ولا عَدُوَّ
هنا يراقب ذكرياتِكَ /
فالتمسْ عُذْراً لمن تركتك في المقهى
لأنك لم تلاحظ قَصَّةَ الشَّعْرِ الجديدةَ
والفراشاتِ التي رقصتْ على غمَّازَتَيْها /
والتمسْ عذراً لمن طلب اُغتيالكَ,
ذات يومٍ ’ لا لشيءٍ ... بل لأنك لم
تَمُتْ يوم ارتَطمْتَ بنجمة ... وكَتَبْتَ
أولى الأغنيات بحبرها....
مقهىً، وأَنت مع الجريدة جالسٌ
قي الركن منسيّاً، فلا أَحد يُهين
مزاجَكَ الصافي،
ولا أَحَدٌ يُفكرُ باغتيالكْ
كم أنت منسيٌّ وحُرٌّ في خيالك
و ما أكثر الأبيات التي تعلق في الذهن و تحجز لها مكاناً في الذاكرة لا تبرحه أبداً، وبالأخص إن كانت من صنع المتنبي، فحريّ بها أن لا تفارق الذهن والوجدان .
من أكثر الأبيات التي لا تفارق ذهني و التي صاغها المتنبي ببراعة مدهشة هو هذا البيت الأعجوبة :
ألَمٌ ألَمَّ ألَمْ ألِمَّ بِدائه إنْ آنَ آنٌ آنَ آنُ أوانِه
الجدير بالذكر أنني حفظته من أول مرة لشدة إعجابي به و صرت أفاخر به و بروعة اللغة فيه .
بيت آخر له وقعه الخاص عليّ و هو بيت للمتنبي أيضاً قاله في عتاب لسيف الدولة :
يا أعدل الناس إلا في معاملتي فيك الخصام وأنت الخصم و الحكم
ألَمٌ ألَمَّ ألَمْ ألِمَّ بِدائه إنْ آنَ آنٌ آنَ آنُ أوانِه
لم أسمع بهذا البيت الشعري من قبل، فضلا ماذا يقصد به، وما المناسبة التي جعلت المتنبي يذكر هذا البيت؟
لبدر الدريع قصيدة في القدس يصف فيها رحلة شخص يُحمّله رسالة عظيمة، وهي أستنهاض للناس بعد الذي حلَّ بفلسطين، فيصف هذا الشخص بأوصاف العزم والاصرار ثم يقول:
يصيحُ بكلِّ بادية وفجٍ .. غياراها أما زلتم غيارى؟
غياراها أما حميَت أنوفٌ؟ لقد سُبيَت نساؤكم جهارًا.
لبدر الدريع قصيدة في القدس يصف فيها رحلة شخص يُحمّله رسالة عظيمة، وهي أستنهاض للناس بعد الذي حلَّ بفلسطين، فيصف هذا الشخص بأوصاف العزم والاصرار ثم يقول:
يصيحُ بكلِّ بادية وفجٍ .. غياراها أما زلتم غيارى؟
غياراها أما حميَت أنوفٌ؟ لقد سُبيَت نساؤكم جهارًا.
لم أسمع به من قبل ولكن اللمات وفصاحتها لفتت انتباهي نحو هذا الشاعر.
ليس بيتا واحدا، هناك عدة أبيات عالقة بذهني و هي مشهورة جدا بالمناسبة:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
لأحمد شوقي
إذا رأيت نياب الليث بارزة، فلا تظنن أن الليث يبتسم
للمتنبي بالطبع، و له بيت آخر يعجبني:
ذو عقل يشقى في النعيم بعقله، و أخو الجهالة في الشقاوة ينعم
و هذا البيت لنزار قباني:
هذي دمشق و هذي الكأس و الراحُ . . . إني أحب و بعض الحب ذباحُ
أنا الدمشقي لو شرحتم جسدي . . . لسال منه عناقيد و تفاحُ
و لو فتحتم شراييني بمديتكم . . . لسمعتم في دمي أصوات من راحُوا
إضافة لقصيدته الخالدة عن الأم، و يعجبني مطلعها:
صباح الخير يا حلوة
صباح الخير يا قديستي الحلوة
مضى عامان يا أمي
على الولد الذي أبحر
و خبأ في ثيابه بقايا الزعتر
كل القصيدة رائعة و بالأخص بيت:
فكيف، فكيف، غدوت أبا و لم أكبر
و له بيت آخر عالق بذهني:
عصبي يصيح في مصر كالديك . . . و في القدس يمسح الأقداما
جردوه من كل شيء و لما . . استهلكوه ألقوا إيه العظاما
و لمحمود درويش، تعجبني ملحمة مأساة النرجس ملهاة الفضة، و بالأخص البيت الأول:
عادوا
من آخر النفق الطويل إلى مراياهم
و عادوا حين استعادوا ملح إخوتهم
و بيته:
أيها المارون بين الكلمات العابرة،
اسحبوا ساعاتكم من وقتنا و انصرفوا
و لأحمد مطر، يعجبني البيت القائل:
اثنان يخافان من يقظة النائم
اللص و الحاكم
أو بيته:
صباح هذا اليوم
أيقظني منبه الساعة
و قال لي: يا ابن العرب
قد حان وقت النوم
و بيت لمريد برغوثي في قصيدة: منطق الكائنات مرة أخرى:
سأقول لك شيئا تتذكره كل العمر:
لا أحد يتدحرج إلى فوق
و بيت أبو القاسم الشابي:
إذا الشعب يوما أراد الحياة . . . فلا بد أن يستجيب القدر
و لا بد لليل أن ينجلي . . . و لا بد للقيد أن ينكسر
و لإيليا أبو ماضي، بيت:
قال: البشاشة ليست تسعد كائنا . . . يأتي إلى الدنيا و يذهب مرغما
قلت: ابتسم ما دام بينك و بين الردى . . . شبر، فإنك بعد لن تتبسما
و لو بقيت على هذا المنوال فلن أنتهي، اللغة العربية حبلى بأشعار رائعة للغاية، أنيقة و عظيمة المعنى. و هذا أبرز ما تذكرت و بالطبع غيرها الكثير.
هذه الأبيات للإمام الشافعي نحتاجها دوما ً:
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة .... فلا خير في ود يجيء تكلفا
ضحِكْنا على الماضي البعيدِ وفي غدٍ
ستجعَلُنا الأَيَّامُ أُضْحُوكَةَ الآتي
وتلكَ هيَ الدُّنيا رِوايةُ ساحرٍ
عَظيمٍ غَريبِ الفَنِّ مُبْدِعِ آياتِ
يمثِّلها الأَحياءُ في مَسْرَحِ الأَسَى
ووسْط ضَبَابِ الهمِّ تَمْثيلَ أَمواتِ
ليشهدَ مَنْ خَلْفَ الضَّبابِ فصولَها
ويَضْحَكُ منها مَنْ يمثِّلُ مَا ياتي
وكلٌّ يُؤَدِّي دَوْرَهُ وهو ضَاحكٌ
على الغيرِ مضْحُوكٌ على دوره العاتي
التعليقات