هذه سلسلة روائية أشاركها هنا يوميًا، أتمنى أن تجدوا فيها ما يلامس ذواتكم. ملاحظاتكم تسعدني.
الفصل الأول: "في الممر... بدأت أبحث عني".
كان الممر طويلاً، بلا نوافذ، بلا أبواب مجرد جدران باهتة، تمتدّ إلى ما لا نهاية. كان يسير وحده أو هكذا ظن. كل خطوة تصدر صدى خافتاً، لا يسمعه أحد سواه.
لا يعرف من أين بدأ، ولا إلى أين يذهب. كل ما يعرفه أنه يريد أن يعرف من هو.
في كل زاوية، كان يرى انعكاسًا مشوهاً له في الجدار الرمادي لا هو، ولا شخص آخر. مزيج من خوف، وتردد، ورغبة في الصراخ.
توقف فجأة، حين لمح شيئًا في نهاية الممر لم يكن بابًا. لم يكن نورًا.
بل كان مرآة.
اقترب وجهه كان هناك، نعم، لكنه بدا غريبًا كأنَّه يشاهده للمرة الأولى.
رفع يده ولمس الزجاج البارد، ثم همس: "هل هذا أنا؟"
وفي لحظة، انفتح الباب الخفي خلف المرآة، ولم يكن له أن يعود بعدها كما كان.
كان كل شيء في حياة راهِس يبدو عاديًا.
استيقاظ، نوم، ضحك سطحي، حوارات مكرّرة...
حتى جاء ذلك الشيء الذي لم يكن سؤالاً، بل اهتزازاً داخلياً.
"من أنا؟"
لم يُطرح بصوت بل بشعورٍ كأن شيئاً يتحرك في الأعماق.
لا أحد سمعه، ولا حتى هو نطق به بوضوح، لكنه كان هناك يحفر بصمت.
جلس في عزلته المعتادة، حدّق في اللاشيء، شعر أن هناك شيئاً لا يكتمل.
المرآة ما زالت عالقة في ذهنه. لم تكن مجرد مرآة، بل لحظة انكشاف، بداية خلخلة الصورة التي رسمها عن نفسه.
بدأ يشكّ في كل شيء: هل هذا هو فعلاً؟
هل هذه هي حياته؟
أين ينتهي "ما قيل له أن يكونه"، وأين يبدأ "ما هو حقًا"؟
كان يدرك أن الجواب لن يأتي من الخارج.
بل من الداخل حيث لا ضوء، ولا مرشد.
وهكذا، لم يكن يبحث عن إجابة بل عن بداية.
التعليقات