بعد مغيب الشمس، تبسط الظلال سيطرتها على كل شيء، فتمسي الأجواء باردة ومخيفة، وألجأ إلى مصابيح البيت حتى أخفف من تلك العتمة، إلا أنها وإن أختفت من أمامي تبقى قابعة في وساوس خيالي، وتبدأ استعراض كل الويلات المسجلة في تلافيف دماغي لأخوض تجاربها نفسياً من جديد، وكأن عيش تلك اللحظات لم يكن كافياً حتى استعيد مشاعرها وصورها كل ليلة، ولكني أواصل درب المقاومة وأذهب إلى سريري الدافئ لكي اغوص بين احضانه وانسى العالم كله ولو للحظات، ولكن رغم غياب البرد يُبقى الظلام انفاسي محبوسة وتزداد حرائق الذكريات اشتعالاً في دماغي، وما إن أفتح عيني محاولا إخمادها، لا أجد أمامي إلا هاتفي المخلص ذلك المعدن الصلب ذو العقل الإلكتروني الذي صار يعرف كيف يخفف جروحي النفسية المعقدة التي فشل في حلها أعظم الأطباء والمقربين بطريقة سحرية سريعة، إلا أنه غيور ولا يسمح لي بالانشغال بسواه، فكلما أنهيت مقطعاً اقترع عليَ غيره، وكلما خرجت من تطبيق نبهني إلى آخر، وهكذا حتى أجد الفجر يؤذن وأنا مازلت في حالة يقظة لم يذق عقلي فيها الراحة ولو للحظة، وأكمل باقي اليوم بعدها أحلم بالعودة للسرير وأتوعد نفسي بالبعد عن هاتفي حتى يتسنى لعقلي أن ينام، ولكن في كل ليلة حين يحل الظلام لا أجد إلا ضوء هاتفي يبقيني بعيداً عنه وعن وساوسه الأليمة.