عندما تعبر نفقاً مظلماً، تكون ثقتك في وجود المخرج كثقتك في أنك من أهل الجنة تماما، وتتقدم خطوة بخطوة ببطئ وثبات حتى يزداد الظلام من حولك، وينتهي آخر شعاع ضوء كان ينير لك من مدخل النفق، حينها تبدأ كل شكوكك تتبلور في عقلك وتحيط بك كما يحيط بك الظلام الدامس، وتبدأ في الإحساس بالخوف والشك -ليس فقط من عدم وجود مخرج- بل صرت تسأل هل مازلت تمشي للأمام أم انحرفت؟!

يجعلك الظلام تبطئ الخطى وتتعثر ثم تسقط، وحين تقف مجدداً تنظر خلفك فإذا هو الظلام، وأمامك أيضاً لا ترى سوى العتمة، ينهار معتقدك بأنك مازلت في خط مستقيم، وتظن بأنك انحرفت بسبب غياب الضوء في آخر النفق، وتفكر في العودة، ولكن الظلام دامس ولا يمكنك تحديد ملامح كف يدك حتى، صرت تتحسس حتى نفسك وأغراضك، صرت كالأعمى تماماً،

تسند ظهرك للجدار الكبير وتجلس وتنهمر في البكاء. 

حالة من الخوف والذعر تسيطر عليك،

لا تتحمل المجهول ولا تستطيع التعامل معه، لكن المجهول لم يلمسك من الأساس إنما كان هذا خيالك الذي صور لك الظلام في صورة وحش. 

وبعد لحظات تتماسك وتحاول إكمال المسير بأرجل مرتعشة وقلب مخلوع، وما إن تمشي قليلاً حتى يظهر نبض نور من بعيد، تفرح للحظة ثم تفكر:

هل هذا نور نهاية النفق أم بدايته؟

وان لم يكن هذا أو ذاك ما قد يكون؟

هل هي مجرد هلوسة أو أنه…؟!

تجعلك التصورات المرعبة في عقلك تجثو على ركبتيك، عقلك يفقد السيطرة على حواسك، بدأت تسمع أصواتا وترى خيالات، فقدت حتى الثقة في جسدك، تريد أن تكمل المسير، لكن جزء منك يعلم أن هذا هو نور الخلاص، أما دماغك فالخوف والهلوسة يكبلانه ويمنعانه من الحركة.

جلست على الأرض ووضعت راسك بين ساعديك، حركة يقوم بها الاطفال لظنهم أنهم أن لم يروا أحداً فلا أحد يراهم،

تخفي دموعك وصرخاتك بين جمبيك،

من ثم تسمع أصواتا تنادي بسمك،

فترفع رأسك لترى النور يقترب منك،

فيغذيك الخوف بالأدرنالين لتهرع بتجاه مدخل النفق بكل سرعتك،

حتى إذا أبصرت ضوء المدخل زادت سرعتك، وفور خروجك من النفق ترمي بجسدك على الأرض وتنظر خلفك.  

فإذا لا أحد.

لا شيء سوى هلوسة عقلك، خدعك دماغك ليخرجك من هذا الموقف العصيب، لكنك عدت لنقطة الصفر. 

أنت لم تستعن بمصباح قبل دخول النفق ، ولم تحاول اصطحاب أحد، ولم تدرس المسافة، لم تفعل أي شيء، كل ما علمته أن في نهاية النفق حديقة فقررت عبوره بمنتهى البساطة. 

وإلى الآن تمر أمام مدخل النفق تنظر إلى الظلام بداخله وتقول يوما ما…