يومَ فقدتُها كان يومًا دامسًا، غائمًا، لا ضوءَ فيه ولا صوت. أتذكرُ ذلك اليومَ جيدًا، لأولِ مرةٍ استشعرُ مرارةَ الفقد. استقبلتُ خبرَ وفاتِها بهدوءٍ تامٍّ. طلبتُ من الجميعِ الرحيلَ، ثم جلستُ بشرودٍ أردد: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ." زاحَ الشرودَ عني صوتُ إحداهنَّ وهي تقول: "إنا للهِ وإنا إليهِ راجعون، كلنا جنائزُ مؤجلةٌ يا بنتي."

نظرتُ إليها بصمتٍ مخيفٍ، ثم ذهبتُ إلى سطحِ منزلِنا بخطواتٍ مرتعشةٍ، ونفسي الطيبة تُحدِّثني: "لقد جاهدتْ وصبرتْ، وإن شاءَ اللهُ هي من المحسنين الذين هداهم اللهُ إلى سُبلِ الطيبين الطاهرين، وبإذنِ اللهِ جزاؤها جناتٌ تجري من تحتِها الأنهار."

كانت هذه بدايتي الحقيقيةَ مع معاني آياتِ القرآنِ، وكأن يومَ فقدتُها أنزلَ اللهُ ملائكةً تُزيلُ تلك الغشاوةَ عن قلبي. هدأتُ كثيرًا، وبكيتُ كثيرًا، وتعلمتُ أن وخزاتِ الألمِ يمكنُ أن تكونَ أداةً حادةً لإزالةِ غشاوةٍ عالقةٍ على أبوابِ أرواحِنا.

مرت سنواتٌ عدةٌ على يومِ رحيلِها. لقد كان في واقعِ رحيلِها يقظتي الكبرى. أتساءلُ دومًا: كيف أكونُ مثلَ طيفِها؟ وكيف يمكنُ لجدتي أن تكونَ طيبةً إلى هذا الحد؟ كيف لإحسانِها بي أن يشملَني حتى يومِ وفاتِها؟ ثم ببكاءٍ مريرٍ أقول: لن أحبَّ أحدًا مثلما أحببتُها. رحمةُ اللهِ الواسعةُ على روحِها الطيبة.

#فاطمة_شجيع