لا أحد يحبّ تلك الثلاثين ثانية الإضافية التي تسرقها منّا اختبارات كابتشا، وهو شعور مزعج أن تحاول البحث عن الصور الصحيحة لتتخطّى الاختبار بسرعة: نخلات، تلال، حافلات، مناطق عبور، أضواء مرور الخ. تشعرُ أحيانًا أنّك تعمل بالسُخرة المجانية لدى شركات الذكاء الاصطناعي لخدمة وتدريب أنظمة رؤيتها الصناعية.
تلك الصور لم تؤخذ بأيدي البشر، وليست لأجل البشر. أخذها الذكاء الأصطناعي، وهي لفائدة الذكاء الاصطناعي. لهذا السبب لا تشعر بأي مشاعر ومكوّنات بشرية لهذه الصور، إنّها نتاج جامد ينفع الشركات الصناعية. صور كابتشا من جوجل تفرض عليك رؤية العالم كما ينظر له روبوت الذكاء الاصطناعي. -كلايف ثومبسون.
لكن هل ركّزتم في الصور نفسها؟ ما الذي يجعل صور كابتشا بهذا العُمق من الكآبة؟
قرأت على تويتر سلسلة من الردود بين كلايف ثومبسون، وهو كاتب في التقنية والعلوم والثقافة، مع بعض متابعيه بخصوص هذه الصور، وقد خلصوا إلى عدّة أسباب تجعل هذه الصور كئيبة وباردة:
خالية من البشر
صور كابتشا هي للعالم الخارجي، تخلو من البشر في غالب الأحيان، ويبدو هذا لدواعي الخصوصية التي تفخر بها جوجل. لكن بهذه الطريقة تبدو هذه الصور من عالم ضربته قنبلة نووية ولم ينجو فيه بشر إلّا الأشياء.
عندما تتضمّن الصور بعض البشر بشكل عرضي، فالموضوع يبدو أكثر كآبة، فكأنّ الناس قد سُلِبوا شخصياتهم، انظروا إلى ذاك الرجل ذا القميص الأحمر في أسفل الصورة، إلى أين يتّجه؟ لماذا نُشاهده أصلًا يذهب إلى هناك؟
الزوايا غريبة
هذه الصور مُلتقطة من زوايا مُمعنة في الغرابة، زوايا لا نستطيع نحن البشر التقاط الصور منها أو حتّى فهمها. عندما نلتقط صورة ما، فنحن نلتقط ما هو أمام جسمنا، وحتّى لو لم يظهر في الصورة، نستطيع تخيّل الجسم الذي ألتقطها. لكن صور كابتشا مُلتقطة من سيارات القيادة الذاتية، نحن نرى الصور من زوايا تلتقطها سيارات جوجل وايمو Waymo لهذا لا تبدو زوايا صحيحة نستطيع فهمها نحن البشر.
لا توجد طبيعة
سيارات القيادة الذاتية تهتمّ كثيرًا بالعالم المدني والعمراني، اشارات الوقوف، سيارات الأجرة، درّاجات، طفّاية الحريق، مناطق العبور، هذا الذي سيساعدها على تجنّب بعض الحوادث أثناء القيادة، لهذا لا تجد تلك الصور التي تسرّ عين الناظر المتوسِّم من الطيور والأزهار والمناظر الخضراء.
ربما الاستثناء الوحيد هي أشجار النخيل، والتي لا تبدو كأشجارنا بل تلك التي تكون في ميامي، لا أدري لماذا تتكرّر عندي في حلول الكابتشا، هل اصطدمت سيارة جوجل وايمو بشجرة نخيل من قبل؟
تلصّص واجرام
تشعر أنّ أحد العوامل التي تُساهم في برود الصور، هو أنّها أتت من دون إذن أو موافقة. لا أحد في الصور توقّع أن يُصوَّر.
الأمر الثاني هو أنّها تبدو أُخِذَت من فيلم وثائقي يسبق حدوث حادث، إذا ركّزت في صورة أحد سيارات الأجرة في الصورة، يراودك بشعور المعلّق الوثائقي من ناشونال جوغرافك الذي يعلّق على أحداث ما قبل الجريمة!
الإطارات الفضائية
حين تُختبر بصور كابتشا مُقسّمة إلى 16 مُربع، وتكون خطوط الاطارات الحادّة أمام عينك ببياضها، يزداد شعور اللأنسنة في الصور، وكأنّها نظرة مخلوقات فضائية للعالم. وهذا هو المُقلق في الأمر، إنّنا نُسأل من روبوت، ليجعلنا نشعر بأنّنا روبوتات، لخدمة هدف للروبوتات!
وأنت؟ هل شعرت بكآبة صور كابتشا؟ هل لك أسباب أخرى لما يجعلها بهذا الشكل من البرود؟
التعليقات