من الملاحظ أن السنوات الأخيرة أصبح للسوشيال ميديا تأثير هائل في بورصة الأفلام والمسلسلات ، والمسلسلات أكثر من غيرها ، التي أصبح أن تواكب المسلسلات في محتواها التراندات ، أو تكون بعض اجزائها أو أحداثها أو شخصياتها تراندت عامل شديد الفاعلية على حساب الجودة ، فيمكنك مثلاً تخيل مئات الكليبات والكوميكس المبنية على شخصيات محمد رمضان في المسلسلات ، أو باسم سمرة في جملته الشهيرة (يلا بينا) من مسلسل العتاولة أو (المال الحلال أهو) ، لينتشر الترند كالنار في الهشيم ويرتفع سوق المسلسلات في تلك الأعمال ، وينخفض في أخرى ، والسبب الظاهري بسيط أن الناس لم تعد تهتم بقصة المسلسل بقدر أهتمامها بالحالة التي تقدمها الشخصيات ، تلك (الحالة) التي يمكن مشاركتها على الواتس أو التيك توك أو أنستجرام أو فيسبوك أو يوتيوب ، تلك الحالة التي يقلدها ملايين الأشخاص في وقت و زمن محدد لكونها تعبر عن مشاعرهم في تلك اللحظة .. تلك المشاعر السريعة المستهلكة لتعبر عن الضيق أو الفرح أو الحزن أو أي شيء - بشكل مبالغ فيه- دون تفكير في مضمون أو سؤال عما يعكسه العمل من أي قيمة .. فكيف يهتم صناع الدراما بتقديم قيمة وجودة طالما أن الناس لا تهتم سوى بالحالة ..؟
تأثير السوشيال ميديا على نجاح المسلسلات أصبح أكبر من الجودة نفسها
بالنسبة للحالة التى تتحدث عنها من وجهة نظرى أن المسلسل فى العصر الحالى أى 2025/2026 له مقاييس من ضمن هذه المقاييس الحالة التى تتحدث عنها والمخرج أو المنتج الشاطرين هم من يعملوا على إنتاج مسلسل ذو قيمة كبيرة وجودة وفى نفس الوقت مراعى للحالة التى يبحث عنها الناس لأن مسلسل ذو جودة عالية وقيمة ومحتوى قيم ولايراعى الحالة لن يأخذ حقه على الأغلب!! أو لن ينافس!!
أنا أرى أن مسلسلات محمد رمضان الكثير منها ما يجعلها تنجح الحالة التى تقدم بغض النظر عن جعفر وشخصيته الخيالية التى لاتقدم قيمة أو جودة عالية من وجهة نظرى إلا مجموعة من الحلات حالة المتزوج من 4 نساء،وحالة الشخصية الجبارة التى تحكم بين الناس بالعدل ولها رأى وكلمة، وحالة الشخص الذى لديه مهارات ممثل أكشن، وهذه الحالات تعبر عما فى داخل الناس أو مايتمنى الناس من فعله أو الوصول إليه.
المسلسل فى العصر الحالى أى 2025/2026 له مقاييس من ضمن هذه المقاييس الحالة التى تتحدث عنها والمخرج أو المنتج الشاطرين هم من يعملوا على إنتاج مسلسل ذو قيمة كبيرة وجودة وفى نفس الوقت مراعى للحالة التى يبحث عنها الناس
وهو أمر يصعب بل يمكن أن نقول دون الكثير من الخطأ يستحيل تحقيقه في الحقيقة إلا في حالات نادرة ، أن تجمع بين الابتذال والقيمة في عمل واحد يحقق الهدف منه .. هذا حدث في حالات نادرة أشهرها فيلم الكيف .. الذي سخر من فكرة الإدمان للعادات السيئة والتي تعد أشد خطراً من إدمان المخدرات نفسها لأنها ببساطة تغيير المفاهيم ، لذا إتباع التراندات الخاوية من أي مفاهيم يجعل الحياة بلا أي معنى فمثلاً في عز الحرب بين أسرائيل وإيران وغزة وعالم ينشغل بحرب عالمية تدق الأبواب .. تجد ترند تراب الجنيات ينتشر بشدة في مواقع التواصل، فتخيل لو كان هذا الترند في رمضان ستجد 90% من الأعمال تتحدث عن هذا الحدث بأشكال مختلفة وتترك بشكل مقصود القضايا الحقيقية .. والغريب أن هذا العمل ينجح .. فكيف لي مثلاً أن أنجح في تقديم عمل درامي ككاتب أو مخرج يتحدث عن قضية هامة مثل التسليح النواوي لدينا .. أو الدفاع عن العلماء الذين يشكلون قيمة فكرية حقيقية للبلد أو تحسين التعليم أو أو ؟
السوشيال ميديا بالفعل غيّرت معايير النجاح في عالم الدراما للأسف أصبحت "الحالة" أو "الترند" أهم من القيمة أو القصة الأصلية وهذا يجعل الكثير من الأعمال مجرد فقاعات وقتية تختفي بانتهاء الضجة حولها أعتقد أن المشكلة ليست فقط في صناع الدراما بل فينا نحن كمشاهدين لأننا ننجرف وراء الترند دون وعي أو تفكير ومن هنا يبدأ التغيير الحقيقي عندما يصبح لدينا وعي جماعي يجعلنا نبحث عن الجودة لا عن مجرد لقطة قابلة للمشاركة
أعتقد أن المشكلة ليست فقط في صناع الدراما بل فينا نحن كمشاهدين لأننا ننجرف وراء الترند دون وعي أو تفكير ومن هنا يبدأ التغيير الحقيقي عندما يصبح لدينا وعي جماعي يجعلنا نبحث عن الجودة لا عن مجرد لقطة قابلة للمشاركة
هذا هو لب المشكلة ، أن الغالبية العظمى تساق كالقطيع لمتابعة الترند .. أي ترند .. ليس لها رأي أو تأثير في شيء .. إلا في حالة واحدة .. الوعي .. والوعي بالمعتاد لا يأتي إلا من خلال تجربة مؤلمة أو كارثة .. فالإنسان لا يعي أهمية غسل سنانه بالفرشاة إلا عند زيادة التسوس وسيطرت الوجع ومواجهة رعب الذهاب لطبيب الأسنان .. حينها قد يدرك قيمة أنه كان ليعش بأمان لو كان أهتم بحقيقة أن عليه غسل أسنانه من التسوس .. كذلك يجب أن نفعل مع الدراما ... غسلها من التسوس قبل فوات الأوان.
أعتقد أن بإمكان صُناع الدراما أن يهتموا بتقديم القيمة والجودة، بل ويكسبوا جمهور السوشيال ميديا أيضًا، إذا ركزوا على دمج الترندات بشكل ذكي ضمن محتوى يحمل رسالة حقيقية وجودة فنية محترمة، فليس من الضروري أن نختار بين "المعنى" و"الترند" وكأنهما نقيضان، بل يمكن ببساطة أن تُقدم شخصيات جذابة وجمل لافتة، ولكن ضمن سياق درامي متماسك ومُتقن، صحيح أن الجمهور يحب المشاهد السريعة واللقطات المنتشرة، لكنه أيضًا يُقدر العمل الصادق حين يشعر أنه يعكس واقعه بعمق، لا بمجرد "إفيه" عابر، والتحدي الحقيقي ليس في إرضاء مواقع التواصل فحسب، بل في إرضائها دون التفريط بجوهر الفن.
هذه الإشكالية كنت أتحدث بها للتو مع صديقي مصطفى شعبان ، وقد قلت له أن تلك المعادلة صعبة وقد تكون شبه مستحيلة حيث أنه تستلزم كاتب موهوب يكتب بوعي وميزان من الذهب + عدم تدخل الجهة الإنتاجية في رؤيته، وهما عنصرين يكاد يستحيل تحقيقهم في الصناعة الفعلية للدراما (من وجهة نظر صانع في قلب الأحداث) لدي مشاريع أدبية سيناريوهات تلفزيونية يمكن أن تحقق بعض تلك المعايير، ولكنها لم تحظى بدعم أو أي أهتمام يذكر من أياً من الجهات التي خاطبتها ، بل طلب مني حرفياً من أحد المخرجين أصدقائي ، أن أمحي أي معنى أو مضمون من القصة حتى يقبل المنتجين بالفكرة .. يجب أن تكون الفكرة خاوية وشديدة التسطيح من وجهة نظر المنتجين حتى تلقى قبولاً لدي عامة الجمهور ، أنا لا أقصد الجمهور المتعلم والمثقف ، ولكن جمهور الترند الذي يخرج لمتابعة فيديوهات مشاهير التيك توك وجولاتهم و أبتذالهم .... فهل تعتقدي مثلاً بأن هذا الجمهور سيهتم بقضايا حقيقية أم سيكتفي بمتابعة التراندات الخاصة بتراب الجنيات ؟
التعليقات