كل تقديس لشخص ما، أو لطبقة ما، أو لمؤسسة ما، يسهل على هذا الشخص، أو أشخاص من هذه الطبقة أو المؤسسة إساءة استخدام سلطاتهم على نحو غير متخيل.

هذه الحلقات السبع من The Keepers هي حلقات وثائقية تكشف بالتدريج عن اي مدى يمكن للإنسان أن يهبط في أوحاله عندما يجد أنه أحيط بهالة من التقديس تحميه من أي محاسبة...

يبدأ الأمر بجريمة قتل ارتكبت قبل قرابة ال 50 عاما، قتلت فيها مدرسة في ولاية ميريلاند، ولم تسفر التحقيقات عن شيء، لكن طالبتين من طالباتها، بقيتا ترغبان في معرفة الحقيقة، وبعد أكثر من أربعين عاما، قامتا بتأسيس صفحة على الفيس بوك لجمع المعلومات من كل من يمكن أن يدلي بشيء في هذا الخصوص.

كانت النتيجة مذهلة.

جريمة القتل كشفت عن كوم هائل من الفساد في داخل الكنيسة الكاثوليكيةوالشرطة والقضاء في ولاية ميريلاند في الفترة بين الستينات وحتى منتصف التسعينات على الأقل.

كانت المدرسة المقتولة كاثي سيزنك أصلا راهبة وتدرس في مدرسة كاثوليكية معروفة بصرامتها وانضباطها وسمعتها الراقية،.. تركت كاثي هذه المدرسة واتجهت للتدريس في مدرسة عامة كجزء من التوجه الكنسي آنذاك للتأثير على المجتمع من خلال الدخول في مؤسسات غير دينية، لكن مقتلها بالذات كان بسبب شيء يحدث في المدرسة الأصلية ولم ينتبه له أحد عندما قتلت ولم يربط أحد أصلا بين الأمرين إلا بعد قرابة العشرية عاما...

كانت كاثي قريبة جدا من طالباتها وقريبة ايضا من سنهن، ولذلك فقد قيل لها أشياء كان الأب ماسكل يقوم بها. ولأنها حاولت إيقاف ما يحدث فقد دفعت حياتها ثمنا لذلك.

ما كان يفعله الأب ماسكل وداخل غرفته الإدارية كمستشار في المدرسة كان أمرا فوق الخيال..

كان الأب يستغل " الاعترافات" الكنسية التي تقوم بها الطالبات كجزء من الشعائر لتهديدهن واستغلالهن واغتصابهن من قبله وأحيانا كان يقوم بذلك على نحو جماعي مع ضباط شرطة وقساوسة آخرين...وكل ذلك في غرفته داخل المدرسة وأثناء ساعات العمل ودون أن يشعر أحد أو يشك أحد، أو على الأقل دون أن يتدخل أحد لإيقاف الأمر.

بل وصل الأمر إلى أنه كان يأخذهن إلى طبيب نسائية وتوليد معروف لمنع حدوث حمل غير مرغوب به وكان يتحرش بهن بوجود الطبيب.

أكثر من كل هذا، لقد اصطحب الفتاة التي أخبرت المدرسة بالأمر، اصطحبها إلى حيث كانت جثة المدرسة ملقاة في الغابةـ وأخبرها أنها ستواجه المصير ذاته لو تحدثت مرة أخرى.

عدد القتيات اللواتي سجلن تعرضن لهذا في هذه المدرسة بالذات ( بعد عقود من كل ما جرى) تجاوز المائة فتاة.

بعض من تعرضن للتحرش والاعتداء تحطمت حياتهن تماما، اتجهوا إلى الإدمان والكحول والبعض انتحر، والكل بلا استثناء فقد الإيمان.

الأب ماكسل كان لا يستخدم فقط قداسة رجل الدين وهو أمر معروف جدا في المؤسسة الكاثوليكية وربما أوضح منه في سواها- واحدة من الفتيات كانت تقول ببساطة أنها كانت تعتبر القس هو الله -لكنه كان يستخدم أيضا الدين على نحو مباشر، أحيانا كان يقول أنه يعاقب الفتيات على خطاياهن، واحيانا كان يقول لها أن الروح القدس قد حلت فيه وهو ( بدخوله) في الفتاة فأنما يقوم بتطهيرها من آثامها ..بعضهن كن في الثالثة عشر والرابعة عشر، وكن مرعويات، ولم تتحدث أي منهم لأي أحد، طفل واحد فقط تحدث مبكرا جدا وقبل حادثة القتل، قال لأمه ما كان يحدث، وصدقته أمه وذهبت لتشتكي...ولكن لم يصدقها أحد!!!

وثائقي ال netflix هذا مهم جدا ليس كوثائقي يعرض قضية تستحق العدالة ولكنه مهم أيضا في معرفة جانب نفسي مهم يتعلق بضحايا التحرش، حيث تختزن ذاكرتهم الحادث في اللاوعي، وتظهر لاحقا في منتصف العمر لتنغص عليهم ما بقي من حياتهم..

الأمر المهم أيضا هنا أن الأمر لا يخص المدارس الكاثوليكية فقط - وإن كان أوضح فيها بسبب موضوع القداسة كانوا يقدمونها للقساوسة على نحو يفوق الكنائس الأخرى وأيضا بسبب التراتبية الكهنوتية التي تمنح البعض منهم حصانة كبيرة، وهو أمر أقل وضوحا في الكنائس الأخرى ايضا...الأمر يخض كل الأديان وكل المذاهب وكل الطوائف، لا اشك لحظة واحدة بوجود تجاوزات مماثلة - مسكوت عنها - من قبل منتمين ومحسوبين على رجال الدين أو المؤسسات الدينية في كل الأديان، ربما الأمر أسهل في هذه الجهة واصعب في تلك لظروف "لوجستية" لا غير..لكن فكرة التجاوز واحدة.

فلأسجل هنا قناعتي بأن التجاوزات فردية بلا شك، لكن حالة " تقديس الأشخاص" ليست كذلك، بل هي ظاهرة عامة تسمح لهذه التجاوزات بأن تبقي وتتمادى بل ويقدم لها الحماية.

أمر معروف تماما ونعرفه جميعا...ولا يشترط في التجاوزات أن تكون جنسية كي تكون مسكوتا عنها...

  • بقلم الدكتور أحمد خيري العمري