تخيل أن يستيقظ شخص كل يوم ولا يدري أين هو! ولا يتذكر آخر شيء فعله؛ هذا ما حدث لبطل الفيلم بسبب تعرضه لحادثة أثرت على ذاكرته فلا يستطيع تكوين ذكريات جديدة بما يسمى بفقدان الذاكرة التقدمي ولهذا عليه في كل يوم أن يعرف آخر شيء حتى يستمر في حياته فتطرق إلى فكرة وهي الكتابة على جسده حتى لا يتم خداعه من الناس حوله وحتى يستطيع معرفة السبب الرئيسي لما حدث له، هذا دفعني للتفكير في نقطة أخرى وفكرة خداع الذاكرة بشكل عام فيما يسمى الذاكرة الخادعة أو الكاذبة وهي عندما تتداخل المعلومات داخل عقلنا ونمزج أشياء ربما لم تحدث مما يؤدي لتشويه الذكريات نفسها وتتراوح خطورة الذاكرة الكاذبة هذه ما بين أن يظن الشخص أنه لم يغلق باب المنزل أو ترك الطعام على النار وأغلبنا ربما مر بهذا الأمر، ولكن الخطير في الموضوع هو أنه ربما تختلط علينا الأمور في وصف حادثة مهمة رأيناها أو ذكرى مهمة بالنسبة لنا ولكن عندما نحكيها لأحد من المفترض أنه عاش الذكرى معنا نفاجئ بأنه يخبرنا أن هذا لم يحدث أو أنه لم يحدث كما نحكيه نحن أو ربما هذه الذكرى لا تخصنا أصلا ولكنها علقت في عقلنا بطريقة ما وظننا أنها لنا نحن. هذا الأمر يجعلني مشوشا أحيانا لأنه كما قال بورخيس " ماضينا هو ذاكرتنا، لو أننا شيء، فنحن ماضينا، أليس كذلك؟" فكيف نثق في ذاكرتنا وكيف نتحقق من أنها كاذبة أم لا؟
فيلم Memento: كيف يمكننا الوثوق في ذاكرتنا وماذا لو كانت ذاكرة كاذبة؟
أتعلم حمدي؟ كتبت مساهمة سابقة عن هذا الأمر بناءً على بعض الدراسات التي اتخذت من بعض الأشخاص وذاكرتهم مادة للتجريب، وتفاجئوا من ردود الأفعال المختلفة من قبل هؤلاء الأشخاص في قدرتهم على تقبل ذكريات دخيلة بل وتذكرها بتفاصيل دقيقة وهي لم تحدث لهم أبدًا! ويرجع ذلك لعوامل مثل الخوف والترهيب والإقناع في بعض الأحيان في جلسات المحققين مع بعض المتهمين إثر حوادث غامضة، وهناك تجربة شهيرة تسمى : "الضياع في المول" وهي أن تخبر العديد من المشاركين عن ذكرى ضياعهم في المول وهم صغار مع ذكر بعض الأدلة الداعمة من الأهالي وتفاصيل دقيقة تخص التجربة، وللعلم نسبة كبيرة منهم تذكرت الموقف وخلقت ذكرى حقيقية له. لذلك أنا اتفق معك أن موضوع الذكريات ده مرعب ونسبي في نفس الوقت، لأن الكثير من العوامل تستطيع التأثير على تكوين الذكريات، من حوادث مؤلمة، إصابة دماغية، أورام ضاغطة على مراكز التذكر في المخ، وعوامل أخرى كثيرة، وشخصيًا أخشى فكرة عدم القدرة على الاعتماد على ذاكرتي في وقت ما!
الدراسات على قدرة التلاعب بالذاكرة كثيرة، وللأسف بعضها تم استخدامه بالفعل مؤخرا بجامعة هاغن بألمانيا عن طريق الإيحاء وذرع ذكريات جديدة للمشاركين في التجربة جعتلهم يصدقون بهذه الذكريات بل إن نسبة 15% منهم لم تمحى هذه الذكريات من عقله بعد انتهاء التجربة ومعرفتهم بالحقيقة الكاملة. فهل صادفك تجارب مماثلة من قبل؟
عندي صديقة في العمل كلّما أرادت الخروج من المركز وهي بالمناسبة مديرة المركز فهي تتأكد ألف مرة من أن الأبواب موصدة والأضواء مطفئة وغير ذلك. دائما ما أقول لها عليكِ الوثوق بذاكرتكِ وعدم اعتماد هذا الأسلوب الذي يجهدها. ما أتحدث عنه ليس وجهة نظر بل رأي علمي بحت. لذلك أنا أعتقد أنّنا بشكل أساسي من نحدد كيف تكون ذاكرتنا. فنحن إمّا نقوّيها وإمّا نقوّضها لا حل وسط. علينا أن نتعلم الوثوق بها حتّى لا تخيّبنا وأمّا عدم الوثوق بها يؤدي للكثير من الخيبات.
التعليقات