يبدو أن شهرة مهرجان الجونة -الأول من نوعه- وصيته الذي ذاع مؤخرًا داخل الوسط الفني وفي وسائل الإعلام الإجتماعي بما فيه من ميزانية ضخمة تكاد تتجاوز الثمانون مليون جنية مصري والمقتطفات الساخرة والصادمة مثل بطانة فستان الفنانة القديرة المبجلة رانيا يوسف الذي حوَاها المهرجان وأثارت جدلاً واسعًا على مرأى ومسمع من الناس، أدى إلى انتشار أخباره وأحداثه كالنار في الهشيم في مُعْتركات التريند ومؤشرات البحث وإلى تهافت مستخدمي برامج ومواقع التواصل الاجتماعي للحديث عنه والتعليق على ما حدث فيه من فكاهة وغرابة بين النجوم و الفنانين الذين حضروا المهرجان. مضمون موضوعي ليس الخوض والتطرق في مهرجان الجونة وعرضه ونقده وتفنيده، بل موضوعي يعرض المهرجانات السينمائية أو التي أسميها (بهرجانات) سبوبية -قائمة على السبوبة- التي دخلت من الأبواب الممسخوخة بعد أن فتحت لهم المهرجانات العريقة الأبواب على مصراعيها ليقلدوها تقليدًا أعمى يجنوا منها الأموال بإسم الفن وهي في الأصل صورة غير أصلية مزيفة من الأحداث الثقافية والترفيهية التي تقام في الأساس على مبدأ نشر الثقافة الفنية ومشاركة الخبرات والأفكار والحلول الفنية والدعم وتلاقي الثقافات المختلفة.

المهرجانات

تُعرف المهرجانات السينمائية عادةً بأنه حدثٌ فنيٌ ثقافي منظم يعرض فيه بعض الأفلام السينمائية المختلفة العربية والغربية من مختلف أنحاء العالم وتعد مصدر دعم لدى المخرجين والممثلين المستقلين مفتقدي الدعم المالي والدِعائي وجزءٌ من سياسة الدول المتحضرة التي تعمل في هذا النطاق الفني على تمتين العلاقات السياسية بالأحبال الثقافية والفنية التي تستضيف أفلامًا من مختلف أنحاء دول العالم مما يعزز ويغزي سياسات الدول ببعضها البعض، وتكون من هذه المهرجانات منارة لتكريم المبدعين من الفنانين والفنانات واختيار الأفلام القيمة والمبدعة من قبل كبار القامات الفنية، إلى الحفاظ على مكانة ورسالة السينما الحقيقة وترسيخ وجودها بين أطياف المجتمع، ومن أشهر المهرجانات المتأسسة منذ أعوام طويلة الأمد إلى الآن: مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، مهرجان الجونة السينمائي، مهرجان ساندانس السينمائي، مهرجان برلين السينمائي، مهرجان تورونتو للأفلام، مهرجان فينيسيا السينمائي، مهرجان كان السينمائي.

البهرجان لا المهرجان! 

اتصل بي صديقي المتيم بالشهرة منذ يومين وطلب مني أن يستعير بدلة سوداء اللون كنت قد اشتريتها منذ شهرين وقد أعجبته، وحينما سألته عن سبب طلبه قال لي: أنا أريدها من أجل الذهاب إلى بعض المهرجانات السينمائية الشهيرة وأريد أن ألفت النظر لعلى وعسى أن يعجب بي أحد المخرجين وسط الهوجة ويتبناني فنيًا وأصل إلى سلم الشهرة. وكما فعل صديقي العزيز فالبهرجنات أيضًا فعلت! بصورة أشد ركاكة، بعض الناس الذين يُحسبون على أهل الفن زوراً وبهتانًا وهم أبعد ما يكون عن التصدر في الأجواء الفنية يقوم بعضهم بأستئجار قاعة حفلات أو ما شابه ذلك مدة معينة حسب السبوبة، ويفرشرون الأرض نجيل صناعي أو يغطونها بالسجاد المهترئ -حسب المزاج- ويعلقون لافتة مفادها بأن هذا المكان يسمى مهرجان سينمائي! ويفتعلون الفقرات والمواقف وتوزيع الجوائز على الحاضرين عن اللاشيء واستضافة النساء الاستعراضيات - تقمصًا لإحدى المهرجانات السينمائية الكبرى - هدفًا في نيل التريند وبيع أكثر عدد من تذاكر الدخول- بكل عشوائية تدار وتنشئ هذه الأماكن الزائفة الدخيلة من اللاوعي وعلى رأي المثل الشعبي المصري الشهيري "سداح مداح" كما أنها تحط من صورة وقدر وقيمة الفن وفعالياته المهمة بجانب التقليل من صورة الدولة الإبداعية رغبة في جني الأرباح والشهرة على حساب صورة رسالة الفن العتيقة.

وينبغي تحسين مستوى إنشاء المهرجانات السينمائية الحديثة بفرض شروط فنية تقضي على الحالة العشوائية الحالية فيها.