يبدو أننا نلاحظ ويومياً بأنّ العالم أو العصر الحديث مع كل يوم إضافي في تطوّره يفرض علينا صِلات أكثر وتواصلاً أكبر ولو بغير طريقة أو بطرق لم نعتاد عليها بعد مثل مواقع "التواصل" الاجتماعي وغيرها من الارتباطات التي يطوّرها الانترنت وتدفعها التكنولوجيا في طرقنا يوماً بعد يوم. 

من منّا اليوم لا يملك حساباً واحداً على الأقل على واحد من وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام؟ قلّة وربم قلّة القلّة، من منّا من لا يضطر للردّ على الرسائل السريعة من الأصدقاء والأقارب يومياً؟ ومن منّا يمكنه الإنعزال وحيداً عن ضجيج العالم بلا أي نظرات حالية توهمهُ بأنّ ما يفعلهُ ضرباً من ضروب الأمراض النفسية أو التعب الذي يحتاج تدخلاً طبياً؟ 

يطرح هذا الأمر فيلم THE PIANO للمخرجة الرائعة JANE CAMPION لإمرأة تفرض على نفسها صمتاً حزناً وصدمة على رحيل زوجها وكيف أنّ العالم المحيط بها باتوا يستخدمون هذا الصمت لابتزازات كثيرة ولتحقيق ما يطمحون عليه معتبرين أن طريقة الدفاع الوحيدة التي يجب أن تُجابه بها هي: الصوت. 

هذا الأمر يطرح سؤالاً مُهمّاً وهو: هل الكلام (الصوت واللغة) كتابةً أو حديثاً واحد من أسلحتنا المجتمعية الحالية التي بها نحقق مصالحنا وبها ندافع عن أحلامنا وحاجاتنا وأمورنا التي نبغيها في الحياة؟ وهل الصمت يؤذينا في هذه الفترة من العالم؟ أم أن الأمر مبالغة وشطحة مصدرها القلق الزائد من قلّة الفرص؟

برأيي أنا مثلاً أنّ الذي يقلل من كلامه بالطبيعة يقلل من فرصه في النجاح، عصرنا الحالي مبني على التسويق والتعبير عن الذات ومهاراتها، الصوت الأقل حضوراً في المجتمعات القريبة مني أو تلك التي على الشبكات هو الصوت الأقل حظاً بالضرورة، من المُهم جداً التسويق لأنفسنا والدفاع عن مواقفنا في القرن الجديد، هذا ليس عصراً نكتفي به بالزراعة مع العائلة ضمن حيّز جغرافي محدود جداً، بل هو عصر بمفتوحية كبرى على العالم تقريباً بفرص شبه معدومة بالدوائر الأقرب إلينا. 

وأنت؟ ما رأيك بهذه المسألة؟ وكيف تتعرّف حالياً على العالم؟ هل حضورك قوي أم لا؟ وكيف يتمظهر صوتك فيه بالغالب الأعم، حديثاً واقعياً وعلاقات مباشرة مع المحيط؟ أم كتابياً وفيديوياً خلف الشاشات تُلاحق به الفرص؟