الفنّان هو المُبشّر الدائم باللُطف والوداعة وصاحب النيّة الخالصة لإعمار الكَوكب والإنسان دائماً؟ أشكُّ في ذلك.

البشريّة ما زالت تؤمن بأنّ الفنّ سواء باللوحة أو بالفيلم أو بالحكاية المكتوبة هو فنّ مُحمّل بميزة مرافقة لهُ أينما ما كان وهذه الميزة والقوّة هي السَطوة، ولو كانت على أقل تقدير السطوة الجمالية على الآخرين وعلى خيالاتهم، وهذا يجعل بالتالي أيّ فن موجود على خارطة الفنون ومهما تعددت أدواته ومشاربه سلاحاً ذو حدّين

سؤالي هُنا وسؤال كثيرين أعتقد ممن تأمّلوا قدرة الفن والفنّانين على التغيير وإحداث الأثر في الحياة والقدرة على إعادة تشكيلها: هل هُناك فنّانين استخدموا فنونهم وعبقريّتهم لإيذاء البشرية عوضاً عن بناءها والمساهمة في ترميمِ نواقصها؟ 

جوابي على السؤال: نعم. ولكن لماذا؟ على ماذا أستند في هذه الـ نعم؟ على أنّ ليس كُل إنسان فنّان ولكن كُل فنّان هو بالضرورة إنسان وتعتريه أحياناً أفكار تُريد أن تُحقق لهُ أعلى مصلحة ممكنة في الحياة، سواء كسب المال أو رفاه مُضاعف في الحياة أو مصالح ذاتية أخرى قد تعنيه لشخصه وشخصيّته وإذا كانت هذه المصلحة تتوافق فعلاً وتتحقق فعلاً مع تكوين فنّ يُساهم ببثّ الشرّ في العالم فإنّ هذا الفن سيتولّد عنده، فنّ هدّام! 

هل رأينا ذلك في الحياة؟ مرّات ومرّات كثيرة أيضاً

سأذكر الأبرز طبعاً من الأمثلة والأوضح، وهو تأسيس فنّ يُسمّى فنّ الرايخ الثالث! وهذه الفنون التي تضمّنته هذه الثيمة كُلّها تأتي موافقةً ومبشّرةً بأفكار البطولة الألمانية ومفعمة بالنَفخ والتبشير الذي كان يعلم الجميع من الفنانين الواعين بأنّهُ نفخ في كير أنا وأيغو يتكوّن قد يسبب حروباً طاحنة وانتفاشية لا معنى لها، فنّ خطر، تخلّف عن هذا الرَكب كثيرين ممن فضّلوا أن يكونوا أبعد عن هذه المهزلة، أن يكونوا الموزّع الحصري للقيم العنيفة والخَطرة، منهم مثلاً الذين حُظرت موسيقاهم: أرنولد شونبيرغ وبول هينيدميث.

على أنّ آخرين فضّلوا على أن يكونوا لتحقيق مصالحهم الشخصية رُعاة لهذا الأمر وخَدم حقيقيين في تزكيته أمثال: ماكس ريغر ليُشكّل مع غيره جوقة شرّ تحت غطاء الفن، جوقة تبشير مؤذية وحليف رسمي للشيطان، الشر في العالم.

أومن بأنّ هذا النوع من الشر وهذا النوع من الفنانين أكثر ديكتاتورية وأذى من ديكتاتوريين السُلطة والمال، لإنّهم يفعّلون كُل هذا بأسمى ما قد وصل إليه الإنسان: الفن. وأنت ما رأيك؟ هل تعتقد أنّ هذه مُبالغة مثلاً وأنّ الواقع يقول أنّ كُل فنان هو لطيف بالضرورة ولا يمكن أن يفوق بشرّه مهما أمعن ديكتاتورية أصحاب السلطة والمال؟