بدأت السينما صامتة وليتها استمرّت على هذا النحو. هذا ما أقوله لنفسي يومياً حين مُشاهدة أفلام رائعة علّتها الوحيدة الصوت، حيث أنّ ما نسمع يُخالف أو يقلل من سويّته، الأنكى طبعاً أن يكون ما نرى أقل مما نسمع وهذا كثير أيضاً وغالباً ما نراه في السينما المُتطوّرة، أقصد الغربيّة منها. 

لا يمكن اعتبار الموسيقى التصويرية في الأعمال السينمائية مجرد خلفية للمشاهد والأحداث الدرامية، لكنها انعكاس لحالة الممثل ومواكبة لحركاته وانفعالاته الداخلية المختلفة، وانكساراته، والأهم طبعاً سياق الحكاية، هل هذا ما نسمعه حقاً؟ 

من المستحيل أن يكون كذلك، ولن أضرب أمثلة بعينها، لإنّها كثيرة، ربّما أستطيع لكثرتها أن أضرب مثال بنوع بعينه! مثلاً الكوميديا المصريّة، بمعظمها، يُشكّلها شريط الصوت، الرديء طبعاً في محاولة لفتح باب للتهريج لا الكوميديا، هي الأصوات ذاتها التي قد نسمعها في سيرك أو ربما في برامج الكرتون وتحديداً توم وجيري. وطبعاً حين أضرب مثال عن الكوميديا المصرية لا أقول بأنّها الأسوء، بل على العكس، هذا أفضل الموجود، فما بالنا بباقي النتاج العربي؟ 

هل لهذه التجارب حالات شاذّة جميلة؟ بالتأكيد، كثيرة أيضاً، لكن نسبتها بالنسبة للرديء، شيء لا يُذكر، هل يمكن نستخفّ بشريط الصوت؟ الاستخفاف به يعني الهبوط بالعمل مباشرةً، نحن في بلداننا نجلب أفضل كتّاب ومخرجي البلاد، لكن ماذا عن مُهندسي الصوت ومؤلّفي الموسيقى؟ هؤلاء الجنود الأهم بساحة الصناعة السينمائية، الأحجار الأساسيّة، فكيف نستغني عن الملك في لُعبة شطرنج؟ 

بالمُناسبة، أنا أحياناً ضدّ الصوت، المُبالغة في التأثيرات، ليس المطلب هو الحشو في الصوتيات، موسيقى تصويرية ومؤثرات، حتى ولو المُنتجات جميلة، لكن المطلوب خطط لهذا الاستخدام، إيلاء تركيز أكبر في فهم العلاقة بين الكتابة (الكلمة) والإخراج (الصورة) والموسيقي (الصوت)، أن نفهم العلاقة بينهم درامياً، جمالياً. 

يُجادلني أحدهم ويقول: الصوت دائماً ورقة رابحة في كُل فيلم، سواء كان حواراً أو موسيقى أو مؤثّرات - وأردّ بقولي: رُبما، لكن الذي يبحث عن التميّز، سيدرس الصمت في فلسفة تشارلي شابلن والصمت في أفلام تاركوفسكي، والصمت في الطبيعة. 

هل أنت مع أن نُنتج تجارب في السينما لأفلام صامتة من جديد؟