بالجهد وحده يُبني الإنسان عالمه، لعل الكثير منا سمع بمقولة ، لكن هل حقًا هذا صحيح؟

بعد عصور طويلة جاهدَ بها الإنسان بالذكاء وحده ليبني مملكته العظيمة، مملكة البشر، تصل إلى الأرض موجة من العلماء تحتجُّ على هذه المسيرة لتدلل على أمرٍ آخر وهو أنّ الاستمرارية والجهود هي الفيصل الحقيقي بين الناجح والفاشل، الجاهل والعالم، وأنّ اختراعات العالم بنوها الجادّون المصرّون على تحدي أي وقت وزمن وتجارب طويلة وليسوا الأذكياء اللمّاحين، مُختصري الطُرق الطويلة والصعبة.  لكن كيف تسللت هذه الفكرة إلينا؟ برأيي عبر خديعة! خديعة الدراما والفن..

جاء الفنّ بهذا القول وقام بتدعيمه بالدراما، فمرةً يحكي لنا بأفلامٍ وثائقية عن عظمة أديسون وطول مقامه في تجربة المصباح، الذي قد جرّب ليُنجحها عشرة ألاف مرة في حياته، ومرّة يحكي لنا بوثائقيّ آخر عن جهود المصريين القدماء (ينظرون إلى جهدهم فقط) في بناء الأهرام دون ذكائهم الأخّاذ، ومرّات بسلاسل درامية مُهمة كثيرة عن أغبياء حققوا النجاحات الثمينة جداً في ظلّ IQ لا يُحتمل لدرجة تدنّيه، أهم هذه الأعمال كان برأيي التحفة التي ظهر لنا فيها توم هانكس: FORREST GUMP الذي استطاع تقريباً بناء مستقبل أكثر من رائع وخوض حروب والفوز بحب الفتيات والجوائز وحتى الميداليات الرياضية والمواطنية، أي حقّق مباهج الحياة جميعها فقط بالاستمرارية دون أيّ ذكاء، استمرار مُمتزج بانعدام للذكاء. كيف علينا أن نرى الأمور حقاً؟ 

يحضرني الأن هذا الموضوع مؤخراً لإنّ هذا الطرح يتوافق تماماً مع طرح جميع المجتمعات الاستهلاكية الحديثة لذات الفكرة القديمة التي كان يحاربها الإنسان، إنّنا نُريدك فتى مُطيع، والأجمل أن تكون عاملاً مطيعاً، وفي هذا العصر من الصعب أن يُقنع الناس بهذا بكل سهولة بظل توفّر وسائل إعلام قادرة على إيصال الصوت، لهذا يتم استخدام الفن برأيي لإيصال هذه البروباغندا التي مفهومها واحد: (العارف الأكبر) أي لا مكان لك عقلياً في ظل هذا المجتمع، هُناك من سيعرف عنك ويفكّر عنك ويسأل عنك، حتى أنّ هُناك من سيقدّم الذكاء عنك، لا يبقى عليك إلّا الجهود، مجهودك وفقط دون أي تدخّل، ساعات عملك، عمرك إن صحّ التعبير. 

تبقى هذه أفكار وتصوّرات منّي أطرحها على الملأ، لنناقش فيها السؤال التالي: هل فعلاً أنت مقتنع في أنّ الاستمرارية قد تغلب الذكاء في مجتمعنا الحديث؟ وإن كنت مُقتنع تماماً بذلك، فما حاجة الذكاء إذاً وما دوره في حياة الإنسان، الإنسان المٌعاصر منه على الأقل؟