أحد الأفلام التي شاهدتها والتي تركت لدي مجموعة من التساؤلات الأخلاقية هو فيلم True Story للمخرج روبرت جولد من إنتاج سنة 2015.

يدور الفيلم بشكل رئيسي حول صحفي جريدة نيويورك تايمز الأمريكية مايكل فينكل الذي طرد من عمله بعد قيامة بتظليل معلومات أحد القضايا الإنسانية المهمة التي عمل على التحقيق فيها. ومن هنا تبدأ قصة فينكل في البحث عن طريقة لاستعادة اسمه ووظيفته، ما لفت انتباهي في الفيلم ليس طريقة فينكل في البحث عن طريقه للعودة، بل الخطأ الذي ارتكبه والذي قاده للطرد من أحد أعرق الصحف في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم.

صحيفة نيويورك تايمز اكتشفت بعد نشر تحقيق فينكل في قضية استغلال الأطفال في مزارع الكاكاو في ساحل الحاج أن "يوسف مالي" الشخصية الرئيسية للقصة الإنسانية والذي أفردت له صفحتها الأولى بأكملها ليس صاحب الصورة في غلافها، كما أن معظم المعلومات المنشورة عنه تحمل أخطاء كثيرة.

بعدالاكتشاف اعترف مايكل فينكل للصحيفة أن يوسف مالي هو واحد من ستة أطفال قابلهم خلال تحقيقه وأن المعلومات المنسوبة له هي معلومات مجمعة ومركبة من قصص جميع الأطفال الذين قابلهم في مزارع الكاكاو في ساحل العاج.

الشيء الذي قام به فينكل هو محاولة جعل قضية عبودية الأطفال في مزارع الكاكاو في ساحل العاج أكثر تأثيرا وجذبا للانتباه من خلال تركيزها على شخصية واحدة تكون بمثابة الشخصية البطلة للقصة، أسلوب التركيز على شخصية واحدة بدل الجماعة للتأثير هو أسلوب معروف ومستخدم في الصحافة، لكن طبعا بالاعتماد على شخصيات ومعلومات حقيقية وليس كما فعل مايكل فينكل.

تحقيق فينكل نجح بالفعل في لفت انتباه منظمات حقوق الأطفال والمنظمات الانسانية الدولية لمعاناة الأطفال في مزارع الكاكاو بساحل العاج، وهي التي كانت بالمناسبة سببا في اكتشاف تزوير الصحفي لشخصية يوسف مالي بعد الاتصال به.

إذا الجدل هو هنا، مايكل فينكل قام بتظليل المعلومات، لكن هذه المعلومات كانت في جزء منها صحيحة، استعباد الأطفال في مزارع الكاكاو في ساحل العاج موجود فعلا، الجزء الكاذب هو أن القصة لم تكن قصة يوسف مالي وحده بل قصة عدد كبير من الأطفال المستغلين في صناعة الكاكاو.

كما أن تظليل فينكل نجح في لفت انتباه المنظمات الدولية للقضية. بعد كل شيء هناك نتيجة إيجابية لكذبه.

قبل قرون ذكر أفلاطون في كتابه الجمهورية مفهوما مشابها هو "الكذب النبيل" والذي كان يُستخدم لتحقيق أهداف مثل الاستقرار والانسجام الاجتماعي، ولا يزال معمولا به حتى الآن وخصوصا في مجال السياسة.

هل تعتقدون أن الكذب لأغراض نبيلة يمكن أن يكون مبررا؟

هل يمكن أن تكذب في موقف مشابه لموقف الصحفي؟

ما هي المواقف التي قد تستعمل فيها الكذب النبيل؟