لم قام المحتل بإحراق مكتبة الإسكندرية بإيعاز من ثيوفيلوس، بطريرك الإسكندرية ولم قام هولاكو؛ زعيم المغول بإحراق مكتبة الحكمة ببغداد أبان دخوله إليها وبساعدة مستشاريه ولم قام المحتلون بإحراق وتدمير مكتبة الجامعة القائمة بمدينة لوفين فور دخولهم للمدينة وسيطرتهم عليها؟ في رأيكم، ما السبب أن جميع المحتلين راغبون بتدمير المكتبات وحدهما بينما يتركون أماكن اللهو والغناء صاخبة؛ بل ويشجعون على انتشارها وتفشيها؟
لم المحتلون دائما يعمدون إلى إحراق المكتبات؟
سؤالك جيد لكنه غير كامل، لأن المحتل لا يحرق فقط الكتب، بل يهدم البيوت ويحرق المحاصيل ويغتصب النساء ويقتل الأطفال والكبار ويعيث فساداً ويدمر كل البلد..
هذا نوع من إخضاع الشعب الذي تم احتلاله ونوع من التنكيل به، وبث الخوف في قلوب البلاد القادم احتلالها.
وفقا للتاريخ، فإن هناك محتلين لم يحرقوا أراضي زراعية ولم يقوموا بتدمير البلاد بأكملها؛ هناك منهم، صدقا من لم يفعل لكن قاسم مشترك إحراق المكتبات؛ من خلال قراءاتي واستنباطاتي، وجدت أن القاسم المشترك بينهم إحراق المكتبات، فلم دائما يوجههم الشيطان لإحراق كتبنا ومعارفنا؟ لم يريدون دائما أن نترك المعرفة وأن يحطموا ما بداخلنا من رقي؟ هل تعلم؟ في العراق، كانوا كذلك، يدخلون إلى بيوت العلماء ويحرقون مكتباتهم الذاتية؛ جدران بأكملها من الكتب كانوا يقومون بإحراقها رغم أنها مكتبات فردية وليست لعموم ساكني المدينة
أهلا بك، إن هؤلاء أحرقوا المكتبة الجزائرية وفي مصر، أحرقوا عددا كبيرا من الكتب التي ألفها علماء المسلمين كما أحرقوا مكتبات روسية عندما هاجموها وأما رموز الكتابة، فأول من عرفها هو أَبُو بَكْرْ أَحْمَدْ بْنْ عَلِي بْنْ قَيْسْ بْنْ اَلْمُخْتَارْ بْنْ عَبْدِ اَلْكَرِيمْ في كتابه «شَوْقُ اَلْمُسْتَهَامِ فِي مَعْرِفَةِ رُمُوزِ اَلْأَقْلَامِ»، إذ تناول 89 لغة قديمة وكتاباتها ومقارنتها بالعربية ومنها الهيروغليفية، وقد اكتشف ابن وحشية أن الرموز الهيروغليفية صوتية وحلّل العديد من رموزها قبل اكتشاف شامبوليون بل إن ترجمة إنجليزية لمخطوطة شوق المستهام من تحقيق جوزيف همر نشرت في لندن قبل 16 عاما من زعم شامبليون أنه تعرف على رموز اللغة، وذهب البعض إلى القول أن شامبليون كان قد اطلع على هذه المخطوطة قبل زعمه بمعرفة رموز اللغة؛ اقرأ كتاب "شَوْقُ اَلْمُسْتَهَامِ فِي مَعْرِفَةِ رُمُوزِ اَلْأَقْلَامِ"
لأن المكتبات تحتوي على العلوم والآداب وعلى شيء خطير يخاف منه ويخشاه المحتل وهو التاريخ، فتلك المكتبات التي تم حرقها من المؤكد أنه كان بها كتب ومخطوطات تتحدث عن البلد والمدن والحكام وتاريخ الأرض قديمًا وحديثًا، لذلك بقيام المحتل بحرق مكتبة هو لا يحرق فقط أوراق وإنما يمحي تاريخ ليخط بيده هو تاريخ جديد مزيف يرضيه ويلمعه.
لأن المكتبات كانت دائما أخطر من الجيوش، فهي لا تملك سلاحا ماديا، لكنها تغيّر طريقة التفكير، والاحتلال يدرك أن بقاء الذاكرة أخطر من بقاء الحجر أما أماكن اللهو، فهي ليست تهديدا، بل وسيلة لتخدير الوعي وإشغاله عن طرح الأسئلة.
في التاريخ، لم يكن حرق الكتب فعلا انتقاميا فقط، بل محاولة لإعادة كتابة الوعي الجمعي من الصفر، كما حدث في بغداد حين غرق الحبر في دجلة ولذلك، لا يخاف المحتل من الأغنية، بل من الفكرة التي تغير مسارها.
السؤال الأهم ربما ليس لماذا أحرقوا المكتبات؟ بل: كيف نعيد بناء وعيٍ لا يُحرق بالورق؟
التعليقات