لفتت انتباهي قاعدة (قبل أن تبدأ، أنهي) التي تدعو إلى إنهاء كل مشروع قبل الانتقال إلى آخر. تبدو الفكرة منطقية في ظاهرها، فهي تشجع على التركيز وتجنب التشتت، لكن عند التأمل أكثر، قد لا تكون مناسبة تمامًا لطبيعة العمل الحر التي تتطلب قدر كبير من المرونة والتنقل بين المهام والمشاريع. ربما الالتزام الحرفي بهذه القاعدة يجعلنا نفقد فرص مهمة أو يبطئ من وتيرة التطور المهني. فهل ترون أن هذه القاعدة ما زالت صالحة في واقع العمل الحر، أم أنها مجرد فكرة مثالية يصعب تطبيقها عمليًا؟
قاعدة قبل أن تبدأ، أنهي
طبيعة الإنسان ومشاغله تحتم عليه أن يهتم بأكثر من موضوع في وقت واحد، فقد يذهب بابنه للطبيب وفي نفس الوقت يعود ويكمل عمله، أو يعمل بمشروع طويل الأمد، وفي نفس الوقت ينجز مشاريع صغيرة في العمل..
قاعدة قبل أن تبدأ أنهِ: تصلح في أمور كثيرة عندما ينشغل الإنسان جداً، مثلاً يحتاج أن يذهب بابنه للطبيب ويعمل على مشروع، في هذه الحالة لا يبدأ مشروع جديد إلا لو أنهى أحد المواضيع السابقة أولاً.
أتفق معك جزئيًا، لكن ما أغفلته برأيي هو أن قاعدة قبل أن تبدأ، أنهِ لا تتحدث فقط عن تعدد المهام، بل عن الطاقة الذهنية والعاطفية التي يستهلكها كل بداية جديدة. في العمل الحر تحديدًا، ليس الخطر في إدارة أكثر من مشروع، بل في الدخول في بدايات كثيرة دون إغلاق أي دائرة بالكامل. فكل بداية عقد جديد، فكرة جديدة، شراكة جديدة تفتح معك حلقة ذهنية تبقى عالقة في الخلفية حتى تُغلق بالإنجاز أو الإلغاء.
الإنهاك الذي يعاني منه كثير من المستقلين لا يأتي من ضغط العمل وحده، بل من تعدد الدوائر المفتوحة في عقولهم.
قد تنتهي من مهمة، لكن يظل ذهنك مشغولًا بما لم يُنجز بعد.
لهذا، ربما ليست القاعدة دعوة للجمود أو التقييد، بل نصيحة عقلية تقول: أنهِ ما بدأت على الأقل في ذهنك، قبل أن تحمل همًّا جديدًا. فالمرونة مطلوبة، نعم، لكن دون تراكم الأبواب المفتوحة التي لا تملك وقتًا لتغلقها.
الإنسان لا يختنق من كثرة الطرقات، بل من كثرة الأبواب التي لم يحسم أمرها.
هناك بالفعل أشخاص يتضايقون من عدم إنهاء الأمور والمشاريع العالقة ويشكل لهم ذلك ضغط، لكن على الجانب الآخر قد يمثل ذلك راحة للعقل أحياناً، في فترة من الفترات كان عندي أكثر من موضوع غير منتهيين وليس بيدي ما أفعل حتى اغلقهم بشكل سريع، فقررت وسط هذه المشاغل أن أبدأ بتعلم مهارة جديدة وكان هذا قرار جيّد جداً بالنسبة لي.
أري التنويع بين المهام يجدد الطاقة ويزيد من الإنتاجية المهم ليس أن ننهي كل عمل قبل الآخر بل أن نحافظ على التوازن بين التقدم والراحة الذهنية حتى لا نفقد الدافع للاستمرار
هناك مثال يقول "أبو بالين كداب" برأيي يا إسراء أن قدراتنا محدودة وقد نعطيها لمشروع أو اثنين، لكن إذا زادت المشاريع عن حد قدرتنا وحد تنظيمنا، سيبدأ عقلنا بشكل لا واعي في عدم التدقيق وعدم الانتباه للتفاصيل، وسنتجاهل أمو كنا سنقف عندها بالتركيز في الأحوال العادية، كل ذلك رغبة من العقل لإنهاء الأمور المتزاحمة عليه.
هذا على حسب حجم وطبيعة المهام، لكن بالنسبة لي أفضل أن أنهي المشروع تمامًا قبل أن أفكر في أي مشروع آخر، حتى لا أشتت تركيزي وتتأثر جودة العمل بأي شكل. الالتزام بإنهاء كل مشروع يمنح شعور بالإنجاز ويعطي وضوح في الأفكار، كما يسهل الانتقال بسلاسة إلى المشروع التالي بثقة أكبر وفي إطار منظم، بدل أن أكون منشغلة بأمور متعددة في الوقت نفسه ويصبح كل شيء أقل دقة وفاعلية.
أتفق معك أنّ من الأفضل إنهاء أي مشروع قبل البدء بآخر، لأن هذا يمنح شعور بالإنجاز ويساعد على التركيز. لكن أحيانًا لا نستطيع الالتزام بذلك، لأن بعض الفرص لا تنتظر. لذلك نحتاج أن نتعلم كيف نتعامل مع أكثر من مشروع في نفس الوقت بطريقة منظمة، ونوزع وقتنا بين المهام بحيث نحافظ على جودة العمل بدون تعب أو تشويش.
هذا يصلح بالنسبة للأشخاص المتفرغين للعمل الحر، لكن بالنسبة لي لدي عملي الثابت، وهذا للأسف يجبرني على إنهاء كل مشروع بشكل منفصل قبل البدء في الآخر، حتى لا يتأثر عملي الأساسي أو أي مهام منزلية أقوم بها، وبهذه الطريقة أضمن جودة كل مشروع وأحافظ على توازني بين العمل الحر والمسؤوليات الأخرى.
لفتت انتباهي قاعدة (قبل أن تبدأ، أنهي) التي تدعو إلى إنهاء كل مشروع قبل الانتقال إلى آخر
من أين لك بتلك القاعدة يا إسراء هههه؟! ومن قعّدها يا ترى لتكون قاعدة؟! لا بالعكس فمعظم المستقلين يعملون على أكثر من مشروع بالتوازي بل أن العمل على أكثر من مشروع قد يدفع الملل ويجدد الطاقة شريطة أن يكون هناك وقتاً كافياً للعمل عليهما أو عليهم جميعًا ولا ياتي مشروع على حساب جودة آخر.
اسمحي لي أن أقف عند المنطق الذي ذكرتيه لتأسيس فكرتك
قد لا تكون مناسبة تمامًا لطبيعة العمل الحر التي تتطلب قدر كبير من المرونة والتنقل بين المهام والمشاريع.
ذكرتي أمرين مقترنين ولا وجه تعارض بينهما في الحقيقة. فأن أتمتع بالمرونة في التعامل مع المشاريع، لا يلزمه التنقل بين أكثر من مشروع في وقت وحد. فقد أفقد جودة أحدهما أو أخل بمواعيد التسليم المحددة، لأنه لم يكن عندي "المرونة" اللازمة للتعامل مع الأمر من البداية وفق ما تقضيه الأولوية. لذا وددت الوقوف عند هذه النقطة تحديدًا في البداية.
الأمر الثاني هو تقديرك لمفهوم الفرصة ووتيرة التطور المهني
ربما الالتزام الحرفي بهذه القاعدة يجعلنا نفقد فرص مهمة أو يبطئ من وتيرة التطور المهني
فكلاهما مرتبطان بقدرتك على إنجاز المشاريع وفق توقعات العميل وفي الموعد المحدد. تمكّنك من إنجاز المشروع وفق الجودة والشروط المتفق عليها وفي الموعد، يجعلك ترتقي خطوة أعلى في تطورك المهني من خلال ما تبنيه من سمعة قوية بين أصحاب المشاريع وتجاربك. العكس هو ما يبطئ تطورك ويضيع عليكِ الفرص.
قد يكون هناك بعض الأوقات التي تجعلنا نقبل العمل على مشروعين في وقت وحد؛ كأن يكون هناك تفاوت في متطلبات المشروعين ومواعيدهما بشكل لا يجعل أحدهما يؤثر على الآخر، ولكنها ليست قاعدة حتى أتشتت بين المشاريع المتزامنة.
التعليقات