مع أنني أعمل كمستقلة منذ سنوات، ومن المفترض أن أعتاد على البدايات، إلا أن رهبة التواصل الأول ما زالت تزورني في كل مرة، أبدأ الرسالة، ثم أراجعها، ثم أغير الصياغة، ثم أعود للصياغة الأولى، ثم أجلس أحدق في زر الإرسال كأنني على وشك اتخاذ قرار مصيري! الغريب أنني أعرف تمامًا أن الأمور ستسير على ما يرام، وأنني قمت بهذا مئات المرات من قبل، لكن تلك اللحظة الأولى لها طابع خاص لا يتغير، ربما هو الحماس، أو الرغبة في ترك انطباع طيب. شاركوني كيف تتعاملون مع رهبة التواصل الأول؟ وهل لديكم طقوس أو طرق لطيفة تساعدكم على التخفيف منها؟
رهبة التواصل الجديد، كيف نقضي عليها؟
اعلم هذه الحالة وكأن زر الإرسال هيخلينا نقع في البحر خاصة لو تتواصلين مع مدرائك بالعمل أيضا، لكن توصلت لحل جيد، صياغة الرسالة ثم اتركها دقيقة وأعود لأقرئها وإرسالها ووجدت تحسنا كبيرا هنا، واليوم أرسل مباشرة دون تردد
فعادة رهبة البداية دليل على اهتمامنا لكن المهم ألا تدوم حتى لا تكون عائق يؤخرنا عن التواصل بشكل مباشر وبالوقت المناسب
بسمة، ما هو أسوأ سيناريو سيقابلك بعد إرسال الرسالة؟ الرفض أو إخفاق التوظيف؟ إذن؛ فليكن هو. شيء ليس من نصيبك ولو كان لكِ لأتى.
أنا كنت كذلك أيضا في الماضي ولا أخفيك سرا: كنت أنظر إلى الفرصة على أنها الفرصة الوحيدة أو الأخيرة ولكنني تأكدت مع ضياع الفرص واقتناص الأخرى أنني كنت أستعجل فقط وأنّ كل شيء بأوان.
هل أخبرك عن أبسط شيء حدث لي اليوم: كنت في طريقي للمكتب ولم يكن في جيبي نقود إلا شوية فكة، وكانت أقرب ماكينة صرافة بيني وبينها مشي لمدة 5 دقائق وأنا كنت متأخر جدا، وإذا بي أرتدي البنطالون لأجد فيه نقودا قد نسيتها تكفي طريقي وأكثر؛ لا أعرف متى نسيتها؟ ولا كيف صمدت كل هذه الأيام لأنه بالطبع هذه الملابس تم غسلها وكويها وتحضيرها؛ كيف لم يرَ أحدا هذا المال وكيف لم يقع على الأرض أو في أي مكان؟!! ولكن هذا قدر حتى لا أمشي كل هذه الدقائق وأنا متأخر لأذهب إلى ماكينة صرافة لا أعلم أصلا هل فيها بانكنود أم لا.
مريح جدًا هذا التفكير، وأظن لو أن الجميع فكروا بهذه الطريقة لما بقي على وجه الأرض شخص ساخط على حياته أو قلق من فوات الفرص، لكن في الوقت نفسه أشعر أن هذا السلام الداخلي قد يجعلنا أحيانًا نميل للاستسلام أو نبطئ من سعينا، وكأننا نُهدئ أنفسنا أكثر مما نُحفزها، والتوازن بين الرضا والطموح يظل فنًا دقيقًا جدًا.
عن نفسي لم أعد أنظر للأمر كشيء سلبي، لأنه يجعلني أكتب الرسالة بأفضل شكل وأتجنب أي اخطاء املائية أو أسلوب حديث غير مناسب، وبالتالي فقد لا تكون رهبة التواصل الجديد مشكلة بقدر ما هي رغبة في ترك انطباع أول جيد، وهو ما اعتقد أنه من أهم الأمور عند التعامل مع عميل جديد
لكن هذا بصراحة يُرهق أحيانًا، لأنه يأخذ وقتًا وجهدًا كبيرين، ويجعلنا دائمًا في حالة قلق غريبة، نظل نسأل: هل سيعجبه العمل؟ هل كنا موفقين في طريقة الكتابة؟ هل الرسالة رسمية أكثر من اللازم أو عفوية أكثر مما ينبغي؟ فنجد أنفسنا نراجع ونعدل أكثر من مرة، وكأننا نمشي على حبل رفيع بين الاحتراف والقبول، وهذا يستمر معي شخصياً طوال فترة المشروع أحياناً وقد يؤثر على الحالة النفسية بشكل سلبي.
جميل أنك تصفين رهبة البداية بهذا القدر من الصدق الذي أحييه في ذلك الموضوع بصراحة، لكن اسمحي لي أختلف قليلًا مع رومانسية “لحظة زر الإرسال”؛ كثيرًا ما نمنحها هالة لا تستحقها، فنمارس طقوس القلق كأنها جزء من جودة العمل، ما ينقص غالبًا ليس شجاعة الضغط على الزر، بل نظام يغنينا عن المبالغة في التفكير، مثل قالب رسائل مرن بثلاثة أقسام ثابتة (لماذا أتواصل، ما القيمة المحددة، ما الخطوة التالية) مع سطر افتتاحي شخصي واحد فقط، ومؤقت دقيقتين للمراجعة لا يزيد، ثم إرسال بلا عودة لتشريح الجملة الخامسة؛ وصدقيني، “طقوس” ألطف من ذلك هي ما قبل الرسالة لا بعدها: جمع دليل صغير على الملاءمة (سطر من ملف العميل/إنجاز حديث)، تعريف مسبق لمعيار النجاح للرسالة (رد أو رفض واضح خلال 72 ساعة)، وجدولة تذكير متابعة واحد فقط بدل حراسة البريد؛ الحماس جميل، لكن الأفضل تحويله إلى بروتوكول بارد يعفيك من دَراما الانطباع الأول، لأن الانطباع الحقيقي يُصنع في الاستمرارية، لا في الممر العابس بين كتابة “مرحبًا” وتحريك المؤشر نحو الإرسال.
أنا معك في فكرة أن القلق ليس طقس مقدس ولا معيار للجودة، لكن نزع الإحساس من لحظة الإرسال بحجة الكفاءة يشبه تدريب القلب على ألا يخفق حتى لا يُرهق، لست ضد القوالب الذكية بل أستخدمها، لكن أؤمن أن شيئًا من الارتباك هو أيضًا دليل حياة وليس عيبًا كبيرًا.
لا يمكن حينها تسميته أرتباك ، ولكن يمكن أن نغيره للبحث عن بصمة جديدة تعبر عنك داخل القوالب الثابتة ، وهي بالفعل ما تنجح أحياناً إن كان نص المشروع يحتمل رؤية شيء ما خلفه يرغب العميل قوله لكنه لم يقوله بشكل واضح خلال وصف المشروع، ربما نجحت طريقتك التي تصفيها بأنها مرتبكة في قراءة شيئاً ما بين السطور أوقفك لمحاولة مراجعته والتعبير عنه في كتابتك حتى لو حدث هذا بإيعاذ غير مباشر من عقلك الباطن ولكن هو يحقق النتيجة نفسها .. وضع بصمة جديدة لك قد تضع طلبك في مقدمة العروض التي تحظى باهتمام خاص من العميل المستهدف.
هذا أمر طبيعي، ولكن يجب أن تملكي ثقة بنفسك وتتخلي عن الخوف والقلق. ابدئي بكتابة ما يخطر ببالك ببساطة ودون تعقيد، وأرسلي الرسالة دون أن تسمحي للتفكير الزائد أن يعيقك. مع مرور الوقت ستجدين الكلمات تأتي بسهولة، والأهم أن تخطو الخطوة الأولى.
ربما هذا ينفع مع الأقارب والأصدقاء، حيث لا حرج إن أخطأنا أو بعثرنا الكلمات، لكن مع العملاء فالوضع مختلف تمامًا ويستحق ولو القليل من القلق، لأن الرسالة الأولى معهم هي باب الفرصة، والانطباع الأول قد يفتح الطريق أو يغلقه ولهذا نفكر كثيرًا ونتردد، لا لأننا لا نثق بأنفسنا بل لأننا نحترم قيمة كل كلمة نكتبها، البساطة مطلوبة نعم لكن بعد تفكير لا قبله.
التعليقات