قضيت فترة طويلة أُطارد فكرة النجاح بمعناها التقليدي: إنجازات متتالية، عمل بلا توقف، وقائمة مهام لا تنتهي. كنت أشعر بالرضا كلما أنجزت أكثر، حتى وإن كان ذلك على حساب راحتي. لكن مع الوقت، بدأت أتساءل: ما فائدة هذا النجاح إن كان مرهقاً؟ وهل يمكن للراحة أن تكون جزءاً من معايير النجاح؟ شيئاً فشيئاً، بدأت أُعيد النظر. أصبحت أعتبر أن الحفاظ على صحتي النفسية والجسدية، ووجود وقت هادئ خارج ضغط العمل، هو أيضًا نوع من النجاح. وهنا يلحّ عليّ هذا السؤال: كمستقلين، كيف يمكننا إعادة تعريف النجاح ليشمل الراحة دون أن نشعر بالذنب؟
كمستقلين كيف نُعيد تعريف النجاح ليشمل الراحة؟
نعم بالفعل لابد أن نوسع مفهوم الاستراحة كي يشمل الراحة والوقت الذي يقضيه الإنسان في الاهتمام بنفسه وبالتواصل مع الآخرين، لأن في الحقيقة هذا ليس وقت مهدر أو ضائع، هذا وقت يلبي فيه الإنسان احتياجات فعلية وحقيقية لنفسه.
فالراحة ليست رفاهية بل هي ضرورة حتمية، تنعش العقل والجسد كي يتمكن الإنسان من مواصلة العمل بنشاط وكفاءة، علينا أن نبدأ بالتغيير من الداخل فبدلا من قول"كسلت" نقول"استرحت" وبدل من الشعور بالذنب تجاه الراحة، نشعر بالامتنان لأننا منحنا أجسادنا بعض الاهتمام.
أوافقك تماماً في مسألة التغيير من الداخل، فالكثير منا يربط قيمته بالإنتاجية المتواصلة. لكن أحياناً، تمنحنا الراحة فرصة لاكتشاف أننا نعمل بلا وعي أو هدف حقيقي. حين نسمح لأنفسنا بالتوقف قليلاً، نعود بنظرة أكثر صفاءً وبقرارات أكثر اتزاناً. لعلنا بحاجة أيضاً إلى إعادة تعريف الإنجاز، لا من حيث كثرته فقط، بل من حيث الوعي والطاقة التي نُنجزه بها.
أعتقد أن ما مررتِ به هو مرحلة هامة في رحلة البحث عن التوازن بين الطموحات والراحة. فمع الوقت، نكتشف أن النجاح لا يتجسد فقط في الأعمال التي ننجزها أو الأهداف التي نحققها، بل في قدرتنا على الحفاظ على أنفسنا أيضًا. الراحة ليست رفاهية، بل ضرورة لنجاح طويل الأمد. وكأشخاص مستقلين، قد نشعر أحيانًا بأننا يجب أن نكون دائمًا في حالة من العمل المتواصل، ولكن الحقيقة أن الراحة هي جزء لا يتجزأ من النجاح الحقيقي، لأنها تمنحنا الطاقة والصفاء الذهني لمواصلة العمل بفعالية وإبداع. لذا، لا داعي للشعور بالذنب، بل يجب أن نحتفل بتلك اللحظات التي نخصصها لأنفسنا، لأنها جزء من استثمارنا في نجاحنا.
صحيح، وقد يكون التحدي الأكبر هو التحرر من تلك الصورة الذهنية التي تربط الإنجاز بالانشغال المستمر. أحياناً نظن أن التوقف يعني التراجع، بينما هو في الحقيقة مساحة نعيد فيها ترتيب أولوياتنا، ونراجع مسارنا. الراحة ليست فقط وسيلة لاستعادة الطاقة، بل أداة لفهم أنفسنا بشكل أعمق، لنُحدد ما الذي يستحق سعينا فعلاً.
نستطيع أن نرتاح دون أن نشعر بالذنب إذا علمنا أن الراحة ضرورية للعمل، يمكننا اعتبار الراحة جزء ضروري من العمل، بدونه لا نستطيع الاستمرار.
النجاح لا يتعارض مع الراحة، لكنه يتعارض مع الكسل، فلو عملنا باجتهاد فعلاً، أظننا سنكون مرتاحين حين نرتاح قليلاً، لعلمنا أننا أستحققنا تلك الراحة، لكننا إن عملنا بتخاذل فسوف تؤنبنا ضمائرنا في أوقات الراحة.
تخيلي أنك تعملي معي في فريقي يا إسراء تجيدي الترجمة للأنجليزية بسهولة وتعرفين ترجمة الفرنسية ولكن العمل بها مرهق للغاية بالنسبة لك، هنا رغم أن كلاهما عمل به مجهود ولكن الراحة بالنسبة لك ستكون في ترجمة الإنجليزية والعكس صحيح.
ما أقصده أن أي عمل به إرهاق وتعب وأي سعي به جهد كبير ولكن هناك تعب وجهد نقبله ونستطيع التعايش معه وهناك تعب لا نقبله ولو استمر سننهار أو نحترق نفسياً، والراحة برأيي في اختيار تعب نحبه ونرضاه
أعجبني كثيراً هذا التشبيه، لأنّه يُضيء على نقطة نغفلها أحياناً: لسنا دائماً بحاجة للهروب من الجهد، بل بحاجة لاختيار الجهد الذي لا يُطفئنا من الداخل. وربما هنا تتغير نظرتنا للراحة، فتصبح ليست نقيضاً للعمل، بل نتيجة لاختيار عمل يتماشى مع طبيعتنا. إعادة تعريف النجاح إذاً لا تعني السكون، بل تعني أن نسعى دون أن نخسر أنفسنا في الطريق.
للأسف نحن دائما ما ننسى إنسانيتنا ونعتقد أننا يمكننا العمل بلا توقف ودون راحة وان هذا يمثل الإنتاجية في أبهى صورها، إلى أن نصطدم بجدار الواقع حين تبدأ انتاجيتنا تقل دون أن نقدر على ايقاف ذلك، وهذا لأن الراحة هي مطلب أساسي لكي نتمكن من الحفاظ على مستوى انتاجيتنا
صحيح، فالراحة ليست ترفاً نلجأ إليه عند الانهيار، بل ينبغي أن تكون جزءاً من نظامنا اليومي. المشكلة أننا كثيراً ما نتجاهل الإشارات المبكرة التي يرسلها الجسد والعقل، ولا ننتبه إلا عندما نتراجع فعليًا. لو اعتبرنا الراحة نوعاً من الصيانة الدورية لأنفسنا، لا إسعافاً طارئاً، لربما استطعنا الحفاظ على إنتاجيتنا وتوازننا لفترة أطول.
التعليقات