منذ فترة أنهيت مشروعًا لأحد العملاء كان مميزًا جدًا بالنسبة لي، وبذلت فيه جهدًا كبيرًا لضمان الجودة والدقة، وبعد انتهاء العمل أعرب العميل عن إعجابه الكبير بما قدمته، ولم تمضي فترة طويلة حتى تلقيت تواصلًا من عميل جديد، وعندما سألته كيف عرف عني اكتشفت أنه حصل على توصية من العميل السابق، كانت تلك لحظة مهمة بالنسبة لي، حيث أدركت أن جودة العمل والاهتمام بالتفاصيل هما بالفعل أفضل أدوات التسويق الشخصي. شاركونا آرائكم هل تعتمدون التسويق عن طريق التوصيات كأهم وسيلة للنجاح؟
التسويق الشخصي عن طريق التوصيات، هل تعتمده كأهم وسيلة للنجاح؟
في فترة كنت أتعلم البرمجة، وعرفت حينها أن في ذلك المجال التوصيات والمعارف هم السبيل الأقوى للحصول على وظائف، ربما الأمر مرتبط بوظائف أو مجالات يكون حجم المشروع فيها كبير، ونسبة الخطأ مضرة، لذا يفضل أصحاب المشاريع أهل الخبرة والثقة التي يسألون بعضهم البعض عنها.
مجال البرمجة برأيي لا يعتمد كليًا على التوصيات، وذلك على الرغم من أهميتها في فتح الأبواب أحيانًا. فالبرمجة تتطلب تركيزًا دقيقًا ومهارة عالية، وخبرة كبيرة للتعامل مع المشروعات المعقدة التي لا تحتمل الأخطاء. هذا السبب يبقى الأساس الحقيقي هو كفاءة الشخص ومدى قدرته على إثبات نفسه عمليًا. صحيح أن التوصية قد تدخل الشخص إلى الوظيفة، لكن استمراره فيها يعتمد بشكل كامل على قدراته الفعلية ونتائج عمله وليس فقط على العلاقات الشخصية.
ولكن عندما يعتمد المستقل على هذا النوع من التسويق فيجب أن يتوقّع أن العملاء الجدد غالباً ما يكونون أشخاص يشبهون العملاء السابقين من حيث نوع المشاريع أو المجالات، يعني كمثال إذا عملتِ مع عميل لشركات صغيرة فإن التوصيات قد تأتي من أصدقائه أو شركائه الذين يعملون في نفس المجال وهذا يقلل من فرصك لاستكشاف مجالات جديدة ودوائر مختلفة تزيد من خبرتك وطبعاً لا ننسى مسألة أننا غير مسيطرين على ما قد يقوله هذا العميل ولو عن حسن نية، يعني إذا وصفك بأسلوب غير دقيق أو لم يذكر جميع نقاط قوتك فقد يتم نقل توقعات غير واقعية عنك مما يؤدي إلى سوء تفاهم أو إحباط لدى العملاء الجدد إذا لم تتطابق توقعاتهم مع ما تقدمينه بالفعل، سيعتقدون أنهم يعرفونك بما سمعوا فقط!
يعني كمثال إذا عملتِ مع عميل لشركات صغيرة فإن التوصيات قد تأتي من أصدقائه أو شركائه الذين يعملون في نفس المجال
ليس بالضرورة، على سبيل المثال كنت أعمل من قبل على مشروع كتابة لموقع كبير، وحصلت بعدها على توصية للعمل على ترجمة أحد المواقع وكان ذلك بسبب رغبة العميل في تقديم مكافأة رمزية لي على مجهودي وكانت عبارة عن عميل بحاجة إلى ترجمة موقعه.
من أروع اللحظات في مسيرة أي بائع حقاً!
عايشت هذه التجربة خلال مسيرتي عدة مرات، لكنني لا أعوّل على التوصيات التلقائية وحدها، بل أنوّع بأساليب التسويق. بعضها يأتي بشكل مباشر، والبعض الآخر بشكل غير مباشر، مثل التوصيات التي لا نطلبها عادة، وإنما جودة عملنا تمهد الطريق لها أحياناً حين تجتمع عوامل معينة، بعضها خارج نطاق تحكمنا. جودة العمل بأيدينا، لكن التوصية نفسها بيد العميل وظروفه.
صحيح الجودة هي العامل الأساسي الذي يضمن لنا بناء سمعة قوية تؤدي إلى التوصيات بشكل طبيعي ومباشر، فعندما نقدم عملاً متقناً يتجاوز توقعات العميل، فإن هذا العمل يصبح دعاية قوية تجذب المزيد من العملاء، كما أن العميل سيشعر بالثقة في التوصية بخدماتنا لأن الجودة تعكس التزامنا بالمهنية والتميز، مما يجعلها أفضل وسيلة لبناء علاقات طويلة الأمد مع العملاء الحاليين والمحتملين.
يعد هذا النوع هو الأفضل بالنسبة لي، تخيلي كم الإنجاز في أن لا تسوقي لنفسك ولكن رغم ذلك التسويق يتم، أنا الحمدلله أذكر أنني لم أقدم نفسي لعمل إلا مؤخراً عندما قررت التوسع وتنويع أعمالي، ولكن قبل ذلك لمدة خمس سنوات لا أذكر أنني سوقت لنفسي إلا في السنة الأولى ولم أكمل إلى آخرها، فقد كانت كل مؤسسة توصي بي لغيرها أو للعملاء، والأروع أنه في المصالح والجهات الحكومية وأماكن التعاقد كان يتم نفس الأمر لصالحي، ليس لهؤلاء منفعة من ذلك ولكنه كرم الله للمجتهد حيث يسخر له من يأتيه برزق لم يكن ينتظره.
تخيلي كم الإنجاز في أن لا تسوقي لنفسك ولكن رغم ذلك التسويق يتم
إنجاز رائع وملهم حقاً، وأنا مثلك تماماً لكنني لم أقم بالتسويق لنفسي منذ بداية عملي الحر، اعتمدت بعد الله على منصة خمسات، حيث كانت خدماتي تتصدر الصفحات الأولى بفضل جودتها العالية وتقييمات العملاء الإيجابية، وهذا الانتشار الطبيعي ساعدني في تحقيق مبيعات كبيرة دون الحاجة للتسويق المباشر، فالجودة والالتزام هما أفضل أدوات التسويق وأكثرها تأثيراً.
وسيلة رائعة وفعالة، لكن بالطبع لا يمكن الاعتماد عليها وحدها لمن أراد الاستقلال بهذا العمل. لكن السؤال الذي طرأ في ذهني: هل يفترض أن يكون لنا رد فعل مناسب تجاه العميل الأول الذي أوصى بنا؟
مثلا إرسال رسالة شكر، أو إخباره بخصم معين إن عاود طلب الخدمة مرة أخرى، أو غير ذلك.
هل يفترض أن يكون لنا رد فعل مناسب تجاه العميل الأول الذي أوصى بنا؟
بالتأكيد، عندما يحدث معي هذا الأمر غالباً ما يخبرني العميل بأنه أوصى بخدماتي لأحد معارفه، وفي هذه الحالة أحرص دائماً على توجيه الشكر له فوراً، سواء برسالة بسيطة أو أثناء الحديث معه، وأعتبر هذه اللفتة من العميل تقدير كبير لعملي، ولذلك أحرص على التعبير عن امتناني له، لأن هذا الدعم المتبادل يعزز العلاقة المهنية بيننا ويترك انطباع إيجابي دائم.
هناك قاعدة أسير عليها دائمًا في عملي، وهذه القاعدة تقول (لن أتحدّث عن نفسي، سأدع عملي هو من يتحدث عني)، هذه القاعدة تكسب العميل ثقة فيّ كمقدم لخدمة ما، وبعد الانتهاء من العمل تزداد ثقة العميل بعد أن رأى الدقة والإتقان منّي.
هنا قد قطعتُ نصف الطريق في الانتشار، أما النصف الآخر فهو من عند ذلك العميل، بمعنى أنني طبّقتُ تلك القاعدة مع العميل الأول وحصلتُ على تأييده وثقته في عملي، هنا قد انتهى دوري وحان وقت العميل الذي اكتسبتُ ولاءه لي، وذلك يكون عن طريق التوصيات وتلك مرحلة في مراحل التسويق.
هذا بالنسبة لي كمقدم خدمات، بالنسبة لعميل فأنا وأنتِ وغيرنا لا نثق في كلام مسوّق خدمة ما أو مقدمها، ولكننا جميعًا نثق في مَن جرّب هذا المنتج أو الخدمة.
لذلك نعم أجد أن التوصيات وسيلة أساسية من وسائل التسويق.
صحيح تماماً وهذا يظهر بوضوح في سلوكنا عند شراء أي شيء أونلاين، حيث نحرص أولاً على قراءة التقييمات التي يتركها المشترون السابقون، وإذا وجدنا أن التقييمات سلبية نصرف النظر عن الشراء مباشرة، لأن تلك الآراء غالباً ما تعكس تجارب حقيقية لا يمكن تجاهلها، لهذا السبب، جودة الخدمة أو المنتج ليست مجرد وسيلة للنجاح، بل هي الأساس الذي يبني عليه العملاء قراراتهم.
نعم، هذا ما أقصده تمامًا، وعن جودة الخدمة أو المنتج أشرتُ إليها بأن نصف الطريق هو جودة العمل التي تجعل العميل يوصي بي كمقدم خدمة أو كمروّج لمنتج.
السؤال الآن: إذا صارت الأمور على غير ما أريد وقدّمتُ الخدمة بشكل غير كامل لظروف خارجة عن إرادتي كيف أصلح ذلك وأبيّن أنّني أقدّم الخدمة أفضل من ذلك في الظروف العادية؟
كلمة اعتماد ليست مناسبة هنا، لأن التوصيات ليست استراتيجية يمكن التحكم فيها أو الاعتماد عليها بشكل مباشر, فهي تقع تلقائيا, ولا يمكن التنبؤ بحدوثها من عدمه. على سبيل المثال لا أحد يعرف هل لدى العميل معارف لديهم مشاريع مشابهة؟ هل العميل من النوع الذي يوصي الآخرين بخدمات أو منتجات؟ هذه أمور خارجة عن سيطرتنا. لذلك لا يمكن الحديث عن اعتماد التوصيات كوسيلة للتسويق. الأفضل هو التركيز على ما يمكن التحكم فيه وتطويره.
فهمت ما تقصده ولكن المقصد من الحديث عن التوصيات ليس اعتبارها وسيلة تسويق يمكن التحكم بها، بل الإشارة إلى أن بعض المستقلين يفتقرون لمهارات التسويق الشخصي الفعالة، مما يجعلهم يعتمدون بشكل أكبر على جودة عملهم والتوصيات الناتجة عنه لجذب عملاء جدد، وفي هذه الحالة التوصيات ليست استراتيجية مخطط لها، بل نتيجة طبيعية لإتقان العمل، وبالرغم من ذلك يبقى تطوير مهارات التسويق الشخصي أمرًا مهمًا للمستقلين لتحسين فرصهم والوصول إلى العملاء.
التعليقات