مر ما يقرب من 10 سنوات على عملي كمستقل في مجال الترجمة والكتابة، وقد أحببت كل تطور ومنعطف على طول الطريق. بدأت مسيرتي في العمل الحر في كتابة النصوص من خلال صديق كان يعلم أني مهتم بالكتابة وأني قد نشرت لي بعض المقالات على المواقع، لذلك رشحني وكلفني بمهمة كاختبار ثم ساعدني في تعديل النسخة التي توصلت إليها لتكون أكثر انسجامًا مع ما يبحث عنه صاحب العمل. ثم أوصى بي لرئيسه وأجرى لي مقابلة. حصلت على الوظيفة، وانتهى بي الأمر بالترقية، وعملت في تلك الشركة لمدة ثلاث سنوات، وبفضل هذا تمكنت من بناء بورتفوليو قوي في مجال الكتابة المستقلة.

وحقيقة أن هذا المجال يوفر الكثير من الحرية وتحقيق الذات لكن ما لا يتحدث عنه الكثيرون هو أن هناك صراع هائل تحت السطح يسبب مشاعر سلبية مثل القلق والاكتئاب واليأس، فالكتابة من المهن التي تندمج فيها الهويات الشخصية والمهنية وقد يكون هذا كوسيلة من الشخص في إثبات قيمته الذاتية بشكل واضح وملموس وكون الكتابة تعبر عن أفكارنا ومبادئنا وتكشفنا بشكل ما أمام الناس. ولأن جودة الكتابة أمر نسبي وجدت صعوبة في كثير من الأوقات في الكتابة، فبعض ما قمت بكتابة من النصوص كان مصدر رضا وفخر لي وبعضها كنت أبغضه وكان يؤثر ذلك على حالتي النفسية بشكل واضح ومزعج. 

وقد يكون هذا الارتباط متعلقًا أيضًا بانتشار فكرة أن النجاح الوظيفي هو النجاح النهائي والهدف من الحياة. ويصبح هذا الأمر مركزيًا للغاية لدرجة أن الناس قد يخشون الفشل أو الرفض من أسرهم أو مجتمعهم إذا لم يحققوا إنجازًا على مستوى كبير، فتأتي هنا المفارقة حيث أن هذا الخوف يدفعهم للعزلة والبعد عن الأشخاص الذين يهتمون لأمرهم. فإذا كانت قيمتنا مرتبطة بعملنا، فإن كل نتائجه ستؤثر على تصورنا لذاتنا ولشخصيتنا. وهنا يكمن الصراع المركزي بالنسبة للأشخاص الذين يدمجون هويتهم مع عملهم، وطالما أنهم قادرون على تحقيق النتائج التي يرجونها، فإن قيمتهم الذاتية تظل عالية جدًا. وتأتي المشكلة عندما لا يتمكنون من التحكم في نتيجة عملهم، أو عندما تنشأ تطورات غير متوقعة، أو عندما يواجهون موقفًا صعبًا، فنادراً ما يكون النجاح الوظيفي ثابتًا، وعند ظهور هذه العقبات التي لا مفر منها يكونوا معرضين لأزمة في الهوية قد لا ينجوا منها بسهولة.

فهل تتعرض لمثل هذه الصعوبات في الربط بين جودة عملك وقيمتك الشخصية؟ وكيف تتغلب على هذا التشابك سواءً في مجال الكتابة أو في غيره؟