بما أن المرحلة الخامسة من مكتبة القاهرة تركز على الكتاب (المخفض)، لاحظ أيضا أن هناك قاعة خامسة -أو سادسة- تم افتتاحها في معرض القاهرة للكتاب، مخصصة للكتاب المخفض لأهمية هذا النشاط التجاري لما يقدمه من فرص شبه متكافئة للجميع من أجل اقتناء كتاب قيم (لا أتحدث هنا عن الكتب التي لا تباع أصلا).
هناك خمس أحوال تجعل الكتاب مخفضا، كما سنتبين في الآتي
1-الكتب المستعملة
الكتب المستعملة، ولا أقول الكتب القديمة، لأن تلك الأخيرة صارت اليوم بأسعار تنافس في بعض العناوين منها سعر جرام الدهب (بدون مبالغة والله). بل أقصد بالكتب المستعملة تلك التي جرى استعمالها أو تداولها من قبل حتى ولو استعمال خفيف. ولكن تتراوح استعمالات الكتب بين خفيف وعنيف، فبعض الكتب تذوب ملامحها ويتم استراجعها على أيدي صنايعية مهرة؛ كتب مفككة، ممزقة، مبللة، محترقة، أو مشطوب على نصوصها، أو الأسوأ، اقتطع جزء منها وضاع تماما.
تعد الأزبكية نموذجا لا يزال حيا من التراث، ومركز ثقافي وتجاري يجمع مثل هذا النوع من الكتب ورواد القراءة ومقتني الكتب من حول العالم: (سور الأزبكية، أزبكية أبو الريش وشارع البيطار في وسط البلد، وشارع النبي دانيال في الأسكندرية، والمتنبي في العراق).
2-الكتب المهملة
قبل أن تصل هذه الكتب إلى جامعي الكتب في الأزبكية المصرية، هناك درب وعرة تمرّ من خلالها، قبل الكتبية، تمر الكتب على باعة الروبابيكيا وكتب الدشت والورق، ككتب مهملة أو ملقاة من قبل أصحابها في القمامة، أو مباعة بأسعار بخسة إلى (السرّيحة)، الشيء الذي أدركته بسرعة جمعية عريقة مثل جمعية رسالة، فهمت إلى جمع الكتب من أصحابها على صورة تبرعات، أو ربما شرائها بأسعار رمزية.
أحاول العمل على ذلك من خلال مشروع أرابيكيا.
3-الكتب المخزنة
هي الكتب التي تكون مخزنة بكميات من النسخ في الهيئات الثقافية، مثل دار الكتب والوثائق القومية، أو الهيئة المصرية العامة للكتاب، أو قصور الثقافة، أو حتى مخزنة في المؤسسات الصحافية ودور النشر، لأنها أهملت أو زادت عن المطلوب، ثم جرى الرجوع إليها مرة أخرى من وقت لآخر تظهر لنا عينات من هذا أو ذاك.
4-الكتب المهرّبة
حتى تلك الكتب المخزنة، يكون بعضها مهرّبا، من ذلك كتب يتم تهريبها من قبل العاملين في دور النشر من محررين أو مطبعجية أو موزعين أو غير ذلك، لقد مرّ من أمامي بضائع مهرّبة من مكتبة الأسرة (بحجة أنها كانت تباع أيام مهرجان القراءة للجميع)، أو دور كبرى مثل كيان، عصير الكتب، والمحروسة، ناهيك عن دفق السرقات للكتب المرسلة إلى مصر من دور النشر الخليجية في صورة وقف مرسل مجانا ولله إلى طلبة العلم، ولكن هيهات، أغلبها يتم سرقتها من قبل القائمين على توصيلها إلى طلبة العلم، يبيعونها إلى من هم مثلي ومثل غيري لنبيعها نحن إلى طلب العلم بأسعار تبدوا لهم زهيدة بالنظر إلى الأسعار الحقيقية لنسخ وطبعات أغلى ثمنا.
5-الكتب المخفضة
تلك هي الكتب التي يتم جمعها في صورة تبرعات -كما تفعل جمعية رسالة، ومكتبة القاهرة- أو تُشترى بأسعار رمزية، أو تهدى، أو يتم عملية بدل بين الكتب، أو حتى مجموعة من التخفيضات تقوم بها دور النشر والمكتبات إما للتخلص من الكتب التي لم تباع (حتى ولو كانت تستحق أن تباع بأسعار عالية)، وإما لأغراض تسويقية بحتة أو مختلطة مع أهداف أخرى.
دولار بوك، هو مشروع رائد في هذا المجال، اعتبره عن نفسي امتداد لمهرجان القراءة للجميع الذي أقامته من قبل الجميلة العظيمة سوزان مبارك.
6-الكتب المزّورة
هي الكتب المصوّرة، أي المطبوعة من خلال الطباعة الرقمية، وهي طباعة نشطة وفعالة وذات جودة ممتازة تضاهي الطباعة التقليدية، ولكن المشكلة ليست في الجودة (فهذا هو الشق المادي)، بل في الملكية الفكرية التي تحمل شقا ماديا ممثل في حقوق النشر التي يجب أن تعود بالانتفاع إلى أصحابها، وشقا معنويا يسبب ضررا بالغا للمبدعين مؤلفين كانوا أو ناشرين.
التعليقات