السلع الكمالية والأزمات الاقتصادية، كيف نتحكم في السلوك الشرائي خلال الأزمات؟

مساهمتكِ هذه يا آية جائت في وقت استثنائي في أيامي، فأنا هذه الأيام أعمل على دراسة جدوى لمشروع يقدم سلعًا كمالية، وكلما هممت بعمل الدراسة المالية أجد المشروع بلا جدوى، والسبب في كل مرة هو عدم تناسب القدرات الشرائية للفئات المستهدفة مع سعر المنتج المقدم لهم، مما يضطرني إلى تغيير مكان المشروع إلى منطقة أرقى لأستهدف فئات ذات دخل أعلى، مما يؤهلهم لشراء المنتج، ولكن ما إن أفعل هذا حتى أجد نفسي وسط عشرات المنافسين في نفس المجال، ومنافستهم ليست بفكرةٍ صائبة إطلاقًا.

إنها معضلة يا آية، حقًا معضلة أن تكوني رائدة أعمال في دولة نامية يتردى وضعها الاقتصادي من حين لآخر، وهذه المعضلة تذكرني بتصريح عائلة ساويرس إحدى أكبر العائلات في عالم ريادة الأعمال في مصر إذ صرحت منذ أسابيع أن أحد فروع العائلة سيترك مصر ذاهبًا للملكة السعودية لعدم تمكنه من عمل دراسات جدوى لمشاريعه في مصر بسبب عدم استقرار الوضع الاقتصادي.

ولكن بالعودة لمساهمتك استغربت من سؤالك هذا:-

لذا كيف يمكن أن نتحكم في سلوكنا الشرائي خلال الأزمات المالية خاصةً فيما يتعلق بالسلع الكمالية؟

هذا السؤال جعلني أتعجب، فالأمر لا يحتاج إلى استراتيجيات، ولا يحتاج تحليل، أزمةٌ مالية يعني قلة مال، وبالتالي تحت وطأة الاحتياج، وقلة الموارد، أنتي وحدكِ ستقللين وترشدين من عمليات الشراء التي تقومين بها.

وهذا سلوك لاإرادي من البشر، فبحسب الإحصائيات قام ٨٠٪ من الشعب المصري بتقليل استهلاكهم من السلع الغذائية، وذلك نتيجة انخفاض القدرة الشرائية العامة نتيجة الأزمات الاقتصادية في مصر.

لذلك تعجبت من سؤالك عن كيفية التحكم في سلوكنا الشرائي في الأزمات العامة، إذ إن الأمر بيولوجي فينا لا يحتاج تعلم.

وأما سؤالك هذا فأنا لم أفهمه جيدًا.

وما رأيكم حول أفضل العوامل والتي تستطيع أن تتحكم في السلوك الشرائي لدى المستهلك خلال الأزمات المالية؟

هل تقصدين كيف نوجه المستهلك لشراء سلعتنا؟ أم تقصدين كيف نوجه المستهلك ليكون رشيدًا في استهلاكه؟

إن كنتي تقصدين الأولى فالأمر بسيط، فقط استخدمي سياسة التخفيضات، واستراتيجيات ندرة المنتج.

وإن كنتي تقصدين الثانية، فاطمئني، المستهلك وحده تحت وطأة الحاجة سيقلل استهلاكه ويصبح أكثر رشدًا.

وأما عني أنا فهل سأشتري سلعًا فاخرة أم لا، فالحمد لله أني كافر بكل هذه المفاهيم فأنا لا أشتري إلا إن كنت محتاجًا لما سأشتريه، غير هذا لا.

لذا كيف يمكن أن نتحكم في سلوكنا الشرائي خلال الأزمات المالية خاصةً فيما يتعلق بالسلع الكمالية؟ 

• يمكن النظر في شراء المنتجات المستعملة أو المعروضة بخصومات، أو البحث عن العروض الترويجية التي يقدمها البائعون.
• يمكن البحث عن البدائل الأرخص والأقل تكلفة، والتي قد تكون أكثر فائدة في فترات الأزمات المالية.
• يمكن الحصول على السلع الفاخرة بأسعار أقل عن طريق البحث عن المنتجات المخفضة والتخفيضات.

وما رأيكم حول أفضل العوامل والتي تستطيع أن تتحكم في السلوك الشرائي لدى المستهلك خلال الأزمات المالية؟

في الواقع، هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تؤثر على سلوك المستهلك خلال الأزمات المالية، من بينها:

• توافر المال: في معظم الأحيان، يكون المستهلك أقل عرضة للشراء بشكل كبير خلال الأزمات المالية، وذلك لأنه يفتقر إلى المال الكافي لشراء المنتجات والخدمات المطلوبة.
• الأمان: يمكن أن يؤثر الشعور بالأمان على سلوك المستهلك بشكل كبير خلال الأزمات المالية، حيث يميل المستهلكون إلى شراء المزيد من المنتجات التي توفر لهم الأمان والحماية.
• الثقة: قد تؤثر الثقة في المنتجات والخدمات على سلوك المستهلك خلال الأزمات المالية، حيث يميل المستهلكون إلى الشراء من الشركات التي يثقون بها والتي توفر لهم المنتجات والخدمات الجيدة.
• الأولويات: يعتبر التغيير في أولويات المستهلكين أحد العوامل التي يمكن أن تؤثر على سلوك المستهلك خلال الأزمات المالية، حيث يميل المستهلكون إلى شراء المنتجات والخدمات التي تلبي احتياجاتهم الأساسية في المقام الأول.

يمكن التحكم في السلوك الشرائي بالتأني والبحث عن البدائل الأقل ثمنا أو التي تم تصنيعها محليا أو المستعملة، ولكن لا ننس أن ذلك يؤثر سلبا أيضا على العاملين في تلك القطاعات مما يبطئ عجلة الاقتصاد أيضا.

الميل إلى الحرص وخصوصا وقت الأزمات هو أمر فطري بين البشر، فقد يتوقف المرء عن سلوكه الاستهلاكي أو الإبطاء منه حتى وضوح الرؤية مجددا.

تساهم الحكومات في فترات الأزمات بتخفيض حجم الاستهلاك من السلع الكمالية عن طريق فرض الرسوم والضرائب، والتشجيع على الاستثمار في المصارف البنكية بعوائد مرتفعة لتقليل المال المتداول في البلد للحد من الأسعار.

والله يا آية حل الأزمات الإقتصادية والتخفيف من حدتها ليست مسؤولية الأفراد بالدرجة الأولى ، لأن الفرد العادي مهما فعل وقلل من الإنفاق وألغى الكماليات من حياته فلن يساهم هذا أبدا في حل مشكلة التضخم وانهيار العملات وارتفاع الأسعار، والدليل أن الأمر تطور من الإستغناء عن الرفاهيات بكل مستوياتها والإقتصار على الأساسيات ، ثم حصر الأساسيات في دائرة أصغر ليتم الإستغناء عن بعضها ، ولم يتغير شئ في الوضع العام .

اما ترشيد الإستهلاك ففي رأيي هو قاعدة أساسية في الحياة وضرورية بغض النظر عن الظروف ، السلوك الحكيم للشراء وترتيب الأولويات ودراسة النفقات وتنظيمها لا علاقة له بالوضع المادي أو الأزمات الإقتصادية.

تقول القاعدة الاقتصادية العامة أنه من الضروري بالفعل أن يكون هناك ترشيد للاستهلاك وخاصة في أوقات الأزمات التي تشهد تقلبات اقتصادية حادة. إلا أن ما يحدث بالواقع فهو مغاير تماما. فبعد الأزمة المالية الحادة عام 2008 شهدت الأسواق الآسيوية ركودا اقتصاديا حادا مرده إلى الأزمة التي حصلت. وقد أثر هذا الانحسار أولا على القدرة الشرائية للمستهلكين الذين انخفض اقبالهم على السلع الكمالية. إلا أن هذا لم يحصل في الأسواق الأوروبية التي حافظ فيها المستهلكون على إقبالهم على السلع الكمالية، ولم ينخفض إلا بنسبة 5%، فما السبب؟ تاريخيا فإن أوروبا وهي منشأ السلع الفاخرة، تتميز بارتفاع القدرة الشرائية لمستهلكيها وهو ما يجعلهم أكثر المستهلكين ثباتا في القوة الشرائية حول العالم. إلا أننا إذا أردنا الحديث عما يمكن عمله في مواجهة الأزمات بالنسبة للسلع الكمالية فالأمر بسيط: البحث عن بدائل تكون أوفر لمزانية المستهلك. خلال الفترة الأولى للأزمات الاقتصادية وبالرغم من أنها تكون عامل أساسي في التضخم فإنها تكون أيضا أرضا خصبة بالنسبة للشركات الحديثة التي تبحث عن توفير سلع كمالية بأسعار أقل من العلامات التجارية المنافسة وهذا بالفعل ما شهدناه في لبنان في الأزمة الاقتصادية والمالية التي حصلت عام 2019 . فقد صرنا نجد علامات تجارية حديثة لم يكن لها وجود قبل الأزمة. فالسلع الكمالية ما نعرف هي سلع نسبية في كماليتها فقد تكون السلعة كمالية لك إلا أنها ضرورية لي. ومن هنا فقد استغلت هذه الشركات حاجة هؤلاء الأفراد بشكل إيجابي لتوفير بدائل داعمة لميزانية المستهلك.