التدوير الوظيفي ليس استغلالاً، لكنه أداة تطويرية

الأصل في عملية التدوير هو الاستفادة من مهارات الموظفين، ومن هذا المنطلق يتم نقل الموظفين من مكان لآخر داخل المؤسسة، يعني العملية من أساسها مصلحة العمل أولاً وفقاً لكفايات الموظف.. فالأصل بالأمر لا تقوم على التعسفية في اتخاذ القرارات.

أجد تناقض بين شقي الجملة إيناس، فهمت من الجملة الأولى أنك قد تنقلين موظفا حتى لو لم يوافق فقط من أجل مصلحة العمل، وفي الشق الثاني وضحتي أنها قرارات لا تقوم على التعسفية.

احترام رغبة الموظف بالنقل من عدمه ستؤثر تأثير واضح على المصلحة التي يمكن أن تُحقق من نقله لمكان جديد، تخيلي موظف ينقل لمكان بالإكراه دون رغبة بالعمل، كيف سيعمل وكيف سيكتسب مهارات وكيف ستستفيدين من المهارات التي لديه، بل في هذه الحالة قد تفقدي هذه الاستفادة التي كنتِ تحصلي عليها بمكانه الأول.

لذا أرى هنا ديكتاتورية مجحفة بحق الموظف وعدم مراعاة للرغبات والطموحات وهنا نحن لا نطبق التدوير الوظيفي بالشكل الأمثل كما يحدث بالدول الاوروبية.

يعني هل ترين طلب موظفيني منطقياً؟ بالتأكيد حين أنقل أحدهم من قسم لآخر، أو حين تختار الشركة نقله من مديرية لأخرى فهي تنظر للأمر من باب المصلحة وليس باب الانتقام.. فلماذا تحدث مقاومة الأمر دون تجربته؟

بالنسبة لساعات العمل، الفيصل هنا قانون العمل، لا علاقة لهم بالإدارات الأخرى، وكما يقولون العقد شريعة المتعاقدين لذا احتجاجهم مرهون بسياسة العمل بالمكان وكم عدد ساعات العمل المتفق عليها من البداية.

أما عن النقل فالأمر يحتاج لتوعية من البداية وتوضيح الغرض الحقيقي والذي يصب في مصلحة الموظف من تعلم مهارات جديدة وتطويرها مما يخلق له فرص أكبر داخل المؤسسة، وإلا ستجدي مقاومة رهيبة للتغيير إن ظل تفكيرهم مرهون بأن هذا بغرض مصلحة المؤسسة وفقط.

أما قانونيا لا أحد يحق له الاعتراض على النقل إلا إذا كان نقلا تعسفيا.

الوضع مشابه لدينا, عندنا مصطلح خاص ببلدي "الموظف الشبح"وهم الموظفون الذين لا يعملون مطلقا بوظيفتهم ولا أحد أصلا يعلم أنهم يشغلون المنصب.

في احدى الجامعات عندنا... للأساتذة الجامعيين ساعات عمل سنوية محددة, يتم توزيعها حسب مقررات الطلبة على طول السنة الدراسية, فما يفعله بعض الأساتذة باحدى فروع هذه الجامعة هو مراكمة كل ساعات عملهم في بضعة أسابيع بالسنة الدراسية, ليتفرغوا بقية السنة إما لممارسة التجارة أو التدريس بمعاهد خاصة أو السفر للتنزه. (راتب أستاذ جامعي لدينا من أعلى الرواتب لا يحتاج لأعمال موازية), وهذه المراكمة تضر أشد الضرر الطلبة والعملية التعلمية لأنهم يضطرون لدراسة مقرر المادة كاملا في ظرف وجيز, فيدرسون مادة (أ) مدة شهر يسافر بعدها أستاذهم ثم ينتقلون للمادة (ب) يدرسونها شهرا فتسافر أستاذتهم وهكذا إلى نهاية العام, حيث يتناوب الأساتذة ويقسمون ساعات عملهم فيما بينهم.

كل المسؤولين كانوا يتغاضون عن المشكل لأن الدراسة كانت تمر وكان الطلبة ينجحون كل سنة, إلى أن أتى مسؤول رأى أنه وضع شاذ لا مثيل له ببقية الجامعات بالبلد فقرر أن يتم توزيع ساعات العمل على طول السنة لصالح الطالب, فاحتج الأساتذة أشد الاحتجاج كونهم مرتبطون بأعمال خارج الجامعة إما في معاهد خاصة أو حتى خارج البلد بأوروبا...وخرجوا للاحتجاج بوقفات ومظاهرات بلا حياء ولا استحياء, بل جلبوا الصحافة وبدؤوا بالافتراء على المسؤول...

جميل.. إذاً اسمحي لي أنْ أقدّم لكِ نصيحة..

وخذيها من فتاة في سلك الوظيفة منذ كانت في الثامنة عشرة من العمر.. وتدرّجت في العمل من موظفة فئة ثالثة حتى وصلت الفئة الاولى بل وتمكنت من اختصار عشرة سنوات من عمرها الوظيفي.. يعني أنا اليوم بدرجة وظيفية سبقت سواي فيها بعشرة سنوات.

مبدأ التدوير الوظيفي لا يعتمد نظام المسابقات لغايات التحفيز وبثّ روح المنافسة بين فريق العمل.

ما تتحدثين عنه هنا هو عملية إدارة فرق العمل، وقد كتبتُ في هذا الأمر سابقاً، واعتمدت نمط اللعبة فيها لإنجاز المهام وفق هذه الآلية.. وهي طريقةمبتكرة يمكن من خلالها استخدام مهارات الفريق في إنهاء الأعمال المطلوبة من خلال التحفيز وبثّ روح العمل الجماعي فيهم وفق طرق متعددة لذلك.

أما في التدوير الوظيفي يا فاطمة فالأمر مختلف.. هنالك مؤسسة/شركة تحتاج لمهارات معينة، وفيها كفايات وظيفية قادرة على تغطية تلك المهارات.. فيأتي مبدأ التدوير باعتماد الاستفادة من تلك المهارات في المكان الذي يحتاجه العمل.. ما الفائدة المتوّقعة من هذا الأمر؟

1. في المؤسسة يتم استغلال الطاقة القصوى من قدرات العاملين فيها لإنجاز المهام المطلوبة، واكتشاف الآفاق الأبعد من خلال استخدام المهارات المتعددة والتنويع في الأفراد القادرين على أداء المهمة.
2. بهذا الشكل يمكن للمؤسسة استخدام العدد الأمثل من كوادرها دون اللجوء للتعيين أو شراء خدمات مستقلين أو عمال لأداء تلك المهمات مما ينعكس إيجاباً على طرق الإنفاق الأمر الذي سينعكس بالمحصلة على الميزانية.
3. من خلال هذه الطريقة سيكون أمام الموظف فرصة للخروج عن الأعمال المألوفة لممارسة أعمال أخرى مما يعني تنويع المهارات لدى الموظف.
4. أيضاً سيتمكن الموظف من معرفة حدوده الأعلى وقدراته التي ما كان ليعرفها لو لم يتم استغلال مهاراته في مهام أخرى عدا ما تعوّد عليه وأنجزه.
5. إنها طريقة جيدة لاكتساب الخبرات والوصول لمستوى الموظف الشامل الأمر الذي سيعني بالمحصلة فتح خلايا التفكير خارج الصندوق لديه وإيجاد حلول غير روتينية نظراً لقيامه بمهام غير روتينية اعتادها.
6. يمكن بهذا الشكل للموظف أن ينقل خبراته لزملائه وبالتالي نخرج من إطار المعلومة المحفوظة لإطار انتقال المعلومة وتبادلها.

أين تكمن المشكلة في الحالة التي طرحتها في مساهمتي؟؟

1. أنا لم أفكر بنقل موظفيني لوحدات إدارية أخرى.. بل بالعمل داخل المديرية التي أترأسها.. ولكن بدل أن يعمل موظفي في القسم الذي اعتاد عليه، سأستغل مهاراته التي أحتاجها فعلاً في قسم آخر في نفس المديرية.. يعني سيبقى موظفاً معي في نفس المديرية باختلاف تدوير المهام بين الكوادر لخلق التحفيزات التي وضعتها أعلاه في ردّي عليكِ.
2. أكبر مشكلة أعانيها اليوم مع موظفيني استمرارهم بمقارنة أنفسهم ببقية زملائهم في المديريات الأخرى، اولئك الذين يعملون ضمن الحدّ الأدنى وهو أمر أرفضه وأمقته.. فوفق قناعاتي موظفي مؤسستي يتلقون أجراً عن سبع ساعات عمل يومياً لما مجموعه خمسة أيام عمل.. وليس عدلاً تحصيل ذات الأجر عن عمل أربع ساعات فقط أو خمس.. فإن كانت مهام الموظف فعلاً تُنجَز في أربع ساعات لمَ لا أستفيد منه في ساعتين إضافيتين وأمنحه ساعة له مدفوعة الأجر دون عمل!!، ألا يكون ذلك منصفاً؟.
3. المشكلة الثالثة التي طرحتها في المساهمة أنّ الكوادر لا تُعطَى حرياتها إن تمّ استغلالها بشكل خاطئ!، تخيلي.. يناقشني موظفي بحقوقه في إجازاته ومغادراته وساعات راحته، ويتجاهل ما قمتُ بتحصيله لأجله من امتيازات، وما وفرته له من تسهيلات، ويعترض حين أطالبه ببذل المزيد من الجهد الذي لا يكون خارج أوقات العمل، ولا يكون اعلى من قدراته واستيعابه، ولا يقلّل من مستواه الإداري.. بل تدوير بسيط يكتسب فيها الخبرة وبذات الوقت يكون عنصراً مسانداً لإنجاز المهام.. حينها يبدأ الاعتراض..

هل هذه سياسة قمعية من طرفي؟؟ ستكون كذلك لو حمّلتهم فوق طاقتهم.. ولو كنتُ أملك خيارات أخرى ولم أستغلها.. لكنني في موقع إداري مطّلع وأدرك الصعوبات والمشاكل والأزمات وأعرف تماماً أنني بمرحلة لا أملك الخيارات فيها.. والخيار الأنسب والأفضل والأوفر مؤسسياً ولا يتعارض مع مصلحة موظفيني هو ما اقترحته عليهم بتدوير المهام بينهم .. لكن قصر بصائرهم ورغبتهم بعدم حمل مهام إضافية تجعلهم يقاومون.. وهذه المقاومة يجب لها الحزم لا التهاون إن بدا أنها فقط بسبب مبررات لا محلّ لها من الفائدة للطرفين.

أعتذر أن أسهبت بالأمر.. ولكنني رغبت بوضعك بصورة مسألة تتكرر في معظم المؤسسات لتشكيل رؤية واضحة لديكِ.. أتمنى أن أكون تمكنت من تشكيلها.