الحياة الزوجية ليست مجرد عقد شرعي يجمع رجلًا بامرأة، بل هي بناء يقوم على المودة والرحمة والستر. ومن أهم الأسس التي يقوم عليها هذا البناء: الخصوصية. فالزوجان يعيشان معًا أدق تفاصيل الحياة، يعرف كل واحد منهما ما لا يعرفه أقرب الأقربين، ويطلّ كل واحد على خبايا الآخر، من مشاعره وضعفه إلى عاداته وأسراره. ولهذا كانت الخصوصية بينهما خطًا أحمر لا يجوز تجاوزه ولا فضحه مهما بلغت الخلافات.
خطر إفشاء السر
الخلافات الزوجية أمر طبيعي، بل هي سُنّة الحياة، لكن الخطورة تكمن حين يتحوّل الخلاف إلى منبر لفضح المستور. فما يُقال في ساعة غضب قد يبقى أثره سنوات طويلة، بل ربما يظل ندبة في العلاقة لا تزول. يقول النبي ﷺ: "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها"، وهذا الحديث يلخّص المعنى كله: إفشاء السر خيانة للميثاق الغليظ.
حادثة واقعية
أذكر أن أحد أصدقائي مرّ بخلاف مع زوجته، وفي لحظة انفعال فقد صوابه، فجلس بين بعض رفاقه يبوح بأسرار حياتهما الخاصة، التي كان ينبغي أن تبقى طي الكتمان. ولم يكتفِ هو بذلك، بل إن زوجته بدورها، حين بلغها الخبر وغلبها الغضب، سارعت إلى أقاربها تكشف ما كان بينها وبينه.
وكأنهما في تلك اللحظة نسيا أن الخلاف عابر، وأن الاحتمال كبير أن تعود المودة والصفاء. وبالفعل، بعد أيام قليلة تصالحا، وندم كل منهما على ما بدر منه. لكن الضرر وقع: فكل منهما صار ينظر إلى الآخر وهو يحمل في قلبه أثرًا من مرارة الخيانة المعنوية. لقد عادا إلى بيت واحد، لكن بعض الجدار الداخلي قد تصدّع.
العبرة
الرجعة ممكنة، والمصالحة ممكنة، لكن الثقة حين تُجرح لا تُرمم بسهولة. ومن هنا تأتي الحكمة: تذكّر في لحظة غضبك أنك ربما تعود غدًا إلى من خاصمت، فلا تجعل بينك وبينه جدارًا من الفضيحة لا تستطيع أن تهدمه.
إن ضبط اللسان عند الغضب أشد نفعًا من كل محاولات الاعتذار بعد انطفاء الغضب. فالكلمة إذا خرجت لا تعود، والسر إذا انكشف لا يُسترد، والمسامحة قد تحصل، لكن النفوس لا تمحو كل ما علق بها.
رسالة ختامية
الزواج أمانة، ومن الأمانة أن يصون الزوجان أسرار بعضهما. فلا تجعلوا لحظة انفعال تهدم سنوات من العشرة، ولا تجعلوا الشيطان يفرح بفضيحة بين قلبين جمع الله بينهما بالمودة والرحمة. وتذكّروا دائمًا: أجمل البيوت ليست تلك التي تخلو من المشاكل، بل تلك التي تعرف كيف تصون خصوصيتها حين تشتعل المشاكل.
التعليقات