"بعد العبرة... خبرة"

كان "ياسين" شابًا طيب القلب، لا يرى في الناس إلا النقاء، ولا يردّ لأحدٍ طلبًا، حتى أصبح كظلّ شجرة، يستظلّ به الجميع، ولا أحد يسقي جذوره.

وذات يوم، شعر أنّ الحياة تنهش من طيبته. صديق سرق فكرته، وآخر خانه، وثالث وعده ثم اختفى.

جلس وحده في غرفته، والدموع تنساب على وجنتيه، لا من ألم الموقف، بل من شعور الخيبة.

قال في نفسه:

"لماذا؟ لماذا أُؤذى في كل مرة؟ ألم أكن صادقًا؟ أليست النية الطيبة كافية؟"

لكن في تلك اللحظة، أدرك شيئًا لم ينتبه له من قبل…

كل جرح مرّ به، علّمه شيئًا. كل خيبة، منحته بصيرة. كل دمعة، كانت تمهّد لطريق أوضح.

تذكّر كيف كان يتنازل عن حقّه لإرضاء الآخرين، وكيف ظنّ أن اللطف يعني أن يبقى دائمًا في الخلف.

فنهض، ومسح دموعه، وقال بثقة:

"الطيبة لا تعني الغباء، والنقاء لا يعني الضعف. وسأظلّ كما أنا... لكن بعينٍ أكثر وعيًا، وبقلبٍ لا يُخدع مرتين."

ومنذ ذلك اليوم، لم يتغيّر "ياسين"، لكنه صار يختار بعناية، لا يمنح ثقته بسرعة، ولا يسير وراء الكلام الجميل إلا إن وافقه الفعل.

فهم أن العثرة لا تُسقِطه، بل تُعلّمه كيف يمشي بثبات.

وفهم أن "بعد العبرة... خبرة."

بعد العبرة... خبرة : قصة قصيرة كاتبها: عبد العالي البوسعيدي.