قبل أن أغترب وحدي في دولة بعيدة، اعتدت على وجود شخص ما يتابع كل خطواتي، يخبرني إن كنت على حق في كل ما فعلتُ وأفعل، كطفلٍ ينتظر معلمه ليصحح له الأجوبة قبل الانتقال للسؤال التالي، لطالما آمنت بأن وجود أمي بجانبي في مواعيد المستشفى ضرورة لامناص منها، وأني لا يمكنني الإقدام على أي خطوة دون الرجوع إلى رأي أختي، وأن من الضروري معرفة رأي صديقتي عمّا ارتديته في مناسبة هامة. كنت أظن بأني مقعدة كالشخصية الرئيسية في روايتي، لا أتمكن من فعل شيء دون أن يمليه علي الآخرون ويساعدونني فيه، آمنت بأن من حولي فوانيس، ووجودهم بمثابة كرسيي المتحرك، ولم أتصور يومًا بأني سأكون قادرة على الوقوف بمفردي! بينما كنت في محطة قطار الأنفاق، حاملة كوب حليبٍ ساخن إلى جانب حقيبة أثقلتها الكتب والأفكار، قفز إدراكٌ لذيذ بأني أسير بمفردي في طريق أمسكتُ فيه فانوس نفسي، لا أحد يقف بجواري ممسكًا بخريطة الطريق، ولا كرسي يكبّلني بدون مساعدة أحد في دفعه، أدركتُ بأني قوية بذاتي، ودون الحاجة لمن يمدني بالقوة!

وأنت أيها القارئ، أخبرني مالذي جعلك تدرك قوتك؟