لا تبالي كثيرا ! :

مرات كثيرة كنت أتردد على مقهى وسط المدينة أنا و صديقتي، صديقتي هذه التي أعرفها منذ سنين كانت مهووسةبالرسم. وبينما نحن نعيش حياتنا بين المعهد الذي كنا ندرس به و المنزل و المقهى، وضعنا المادي كان في تدهور دائمكأي طالب في عمرنا فحياة الطلاب و فترة الدراسة عامة تمتاز بالوضع المادي المزري عند أغلب أبناء الطبقة الفقيرة الىالمتوسطة في المجتمع، الشي الذي يجعلك تكره جملة "يا ليت الشباب يعود يوما "لأنك و في تلك الفترة بالضبط تشعركأنك تعيش أسوء أيام حياتك بغض النظر عن وقت الفراغ الكثير و البشرة المشدودة و القدرة على الجري ترى أنه لا شيءيدعو كبار السن لقول مقولتهم الشهيرة هذه .

فكنت و صديقتي عبارة عن كتلة فقر هائمة بين شوارع مدينتنا الى أن قررت هذه الأخيرة استغلال موهبتها في جنيبعض المال لإنقاذنا من حالتنا الحرجة هذه و الفكرة كانت عبارة عن رسومات من ابداعها نطبعها على الملابس، فبحثناعلى الفكرة ووجدنا أن المنافسة قوية في هذا المجال ونحن مجرد شابتين في مقتبل العمر هدفهما جني بعض المال منأجل مقولة "يا ليت الشباب يعود يوما " و من أجل سمعة هذه المقولة التي لا نريد ان تفسدها أيامنا المزرية، قررنا خوضهذه المعركة و الدخول بحماس في المنافسة. فبدأنا بإنشاء صفحة على مواقع التواصل الإجتماعي و الأيام تمضي ونحنلم نحقق أي تقدم فحزنت صديقتي ليس فقط على حالتنا المزرية هذه بل لأن رسوماتها لم تحظى بأي اعجاب من طرفالمتصفحين، و من جهتي ضاق صدري لأننا صرفنا دريهماتنا القليلة على اشهار منتوجنا في تلك المواقع و لم نحصلعلى أي مقابل.

ضاق بنا الحال و صرنا أفقر مما كنا عليه من قبل و انطبقت علينا مقولة أن الرياح أحيانا تجري بما لا تشتهي السفنفغرقت سفينتنا المليئة بالملابس المطبوعة و غرقت معها أحلامنا في أن نعيش حياة مادية مستقرة و تلاشت رسوماتصديقتي بين الأمواج و ضاعت معها أمل صديقتي في رسوماتها و توقفت عن ممارست موهبتها  وكان هذا أكبرخسائرها، فالشيء الوحيد الذي كانت ترتاح في ممارسته في أول ظهور له لم يتلقى أي اعجاب، وفي إطار أنني اريد أنأخفف وطئة هذه الصدمة التي تلقتها صديقتي لبست قميصا أتذكر أنها أخذت في الرسمة التي عليه أياما كثيرة و كنتألبسه و أخرج لممارسة أيام الشباب الذي كنت أتمنى أن لا تعاد يوما لكي أرفع من معناوياتها، و ترجع المياه الىمجاريها و ننسى فكرة أننا فكرنا أنه من السهل تغيير ما نحن عليه من فقر ، الى أن جاء اليوم اللذي وقفت بوجهي فتاةفي عمرنا و أبدت اعجابا شديدا بالقميص و على الرسومات التي عليه و طلبت مني أن أخبرها على المكان الذي اشتريتهمنه، كانت لحظة وقف فيها العالم من الصدمة بالنسبة لي و بلا تردد قدمت لها نفسي على أساس أننا شركة نبيعالأقمصة برسومات متعددة ففرحت و قدمت طلبها بنفس اللحظة، و أخبرتني أن صديقاتها سوف يكونن مهتمات أيضابالموضوع فما أن انهيت محادثتي معها اتصلت على صديقتي بنفس اللحظة و أخبرتها كانت فرحة لا تنسى و أحسستأن الموضوع لم يكن بالذات متعلقا بالبيع بل بالرسومات التي كانت طوال حياتها متعلقة بهم و بالأخير لم تنال إعجابأحد.

المغزى هنا أنك انت صاحب أفكارك و أنت الوحيد القادر على تقييمها فربما قد تطرحها على الشخص الخطأ و ليسبالضرورة أن تنال إعجاب الكل فإرضاء الكل غاية لا تدرك و أن التفكير بايجابية و لو أن الأمر متعب و نحن مهووسونبالسرعة إلا أن طريقة التفكير تلعب دورا هاما في سيرورة الحياة و تقبل الخسارة ولو أن وطأتها على النفس تكون قويةيخبرك أن الحياة ليست دائما عادلة.

وفي قصتي هذه انا وصديقتي عرفت أن مقولة "يا ليت الشباب يعود يوما" كانت من أجل أن الانسان في شبابه يتعرفعلى جميع المشاعر لأول مرة الفرح، الإحباط ،الأمل…كلها مشاعر نتعرف عليها من خلال التجارب التي نخوضها لأولمرة و تجربة الاحساس لأول مرة شعور لا يتكرر، فلا تبالي و جرب أشياء جديدة التي انطلاقا من منظورك انت ترى أنفي استطاعتها أن تجعل حياتك أفضل، لا تبالي لأنك و بعد فترة من الزمن ستحب أن تقول "يا ليت الشباب يعود يوما".