لم أكن أميرها المتوقع

السابعة و خمس و ثلاثون دقيقة ..

هواء بارد ، دون تمهل يعبر نافذة المطبخ .. و يحط رحاله فوق أطراف روحي العارية ..

ماذا أريد أن أفعل ..

أحضر القهوة ، أم أبقى لأتجمد أمام النافذة ..

ولاعة ، ملعقتين و كأس ماء و شعلة برتقالية ..

أسكب فنجان قهوة لنفسي و هل من شخص آخر غيري بهذا المنزل البائس ..

لوحدي برفقة فنجان قهوة ...

لكل شخص ، قصته مع القهوة ..أما أنا

فقصتي معها من نوع آخر، قصة حب مجنونة ..ممزوجة بشيء من الهيام و القسوة ...

.. بذلك اليوم الشبيه بأيام مضت ...

لم أكن أفكر في شيء ... أو اريد فعل شيء ..

فقط أريد البقاء بسلام لوحدي ..

أغلقت هاتفي ..و أعلنت عن عطلة مرضية ..

أين وضعت السكر ..

تبا لمذاق هذه القهوة ..

سأعيد تحضير أخرى ..

فهذا المذاق غير مناسب لهذا الصباح ..

عذرا ..لست مثل الجميع

بالنسبة لي لكل يوم نكهته و خلطته الخاصة أيضا ..

هذا المذاق لا يشبه هذا اليوم في شيء

سكبتها و تذوقت مجددا ...

جيدة ، و لكنها تحتاج إلى قليل من السكر

أجوب الفنجان بملعقة لأحدث دوامة صغيرة تذيب مكعب السكر بداخلها ..

رشفة أخرى

كما أحبها ..أخيرا ..

منتش بذلك المطبخ ، مبحر وسط كل ذلك العطر الذي تلبسه الفناجين كل مرة ..

لماذا يتملكني ذلك الإحساس فجأة ..

ما الذي يحدث معي..

و لماذا أقف بذلك المكان مجددا ..

لماذا أحمل حقيبتي ..

أجدني أمام مشهد بالأبيض و الأسود

...مشهد هزني بذلك الصباح الباكر ،

تراءت إلي صورة الرحيل بتلك اللحظة ..

نافذة نصف مفتوحة ..بخار مبعثر ..بالهواء تائه يبحث عن أنفاس تبتلعه بعد أن ضاقت به أنفاسي ..

تغير مزاجي و لم أكن أملك الحق بالإنسحاب ..

أتساءل و أعيد علي نفس السؤال ..من المسؤول عن كل هذه الجلبة بهذا الصباح

القهوة . رائحتها ....لا لا ...

أظنها النافذة ...

ما شأن النوافذ و الفناجين بهذه الساعة من الصباح..

من عادة الابواب ان تشير لنا بالرحيل ..فما بال النوافذ اليوم

أنسير أم نحلق عبرها دون رجعة ...أم نكتفي بالنظر خلف زجاجها و نحلم فقط ..

لا زلت أذكر كل شيء ..تشاجرنا بذلك اليوم ...

صرخت في وجهها و صرخت هي أيضا و ملأ صراخنا المنزل ..

فتحت الخزانة و وضبت أغراضها بالحقيبة ..

وقفت أمام الباب إعتذرت و طلبت منها أن تسامحني ..

لم تقل شيئا واصلت طريقها ..أمسكتها من يدها و طلبت منها أن تمنحني فرصة ...و سأعوضها عن كل شيء ..

رفضت و دفعت بيدي بعيدا عنها و غادرت دون أن تغلق الباب من خلفها ..تركته مواربا ..مثل هته النافذة ..

مرت خمس سنوات و لم أنسى رغم محاولاتي الكثيرة ..

جربت كل شيء و لم أنسى ..

لم أنسى تلك الكلمات التي كانت تنعتني بها ..

و هل كان فقري عيبا ..أم أني من إخترته ..

حاولت جاهدا أن أغير الكثير من الأشياء ، أن أسعدها بالهدايا رغم إفتقاري إلى المال ..

بعد أن أكملت دراستي ..كنت أسعى جاهدا في البحث عن عمل ..

لم أترك أي مسابقة و لم أدخلها ..

كنت متفوقا ، لم يحالفني الحظ ، ام أن الحظ و التفوق لم يكونا كافيين بهذا الوطن ..

ما لم تكن إبن فلان أو فلان أو تملك حقيبة من الأموال ..

لم أيأس و كنت أشارك ..طوال أشهر ثم سنوات ثم...

ثم ماذا ...

لا شيء بعدها لم أعد أشارك ..أو أهتم لأمر تلك المسابقات اللعينة

كنت أشتري بعض الألوان و أمتارا من القماش و أخط على وجهها الأبيض بعض الرسومات ..

أقف كل صباح بساحة عامة ..أحمل تلك اللوحات ..أحاول إقناع المارين بشرائها ...

وسط صقيع الشتاء و حر الصيف ..أقف صامدا ..

أشرح للمارين ما تخفيه كل لوحة ، بصوت عال أحاول لفت الإنتباه ..و لكن بهذا الوطن لا أحد يعرف معنى الفن أو يحاول أن يعرف معنى تلك الخربشات ..

الكل يسعى كل صباح لاهثا وراء لقمة تسد جوعه و جوع عائلته ..

كانت إمرأة متكلفة ، تريد أن تتمرد على واقعنا و تعيش حياة الأميرات ..

بالكاد كنت أستطيع تأمين حاجيات المنزل ..

لم تعذرني ، لم تنظر إلى الواقع يوما ..

لم تغادر عالمها الخيالي ، بقيت هناك تحلم ، و تحلم ..

و لا حلم تحقق .

هل كنت السبب لأني لم أشتر لها طاقما من الذهب أو خاتما مرصعا بالألماس ..

هل كنت المخطيء لأني لم أهدها في عيد ميلادها غير فستان و باقة من الأزهار ..

حاولت جاهدا أن أغير من حياتنا البسيطة تلك ..

حاولت ..و لم أكن في نظرها إلا فاشلا هاربا من قصة البؤساء..

لم أكن أميرها المتوقع ..

بعض الأشخاص في حياتنا نحملهم مثل التاج فوق رؤوسنا ..نغلق عليهم بغرفة داخل قلوبنا .. نفعل المستحيل لأجلهم ..

نظن أنهم يستحقون ..

يغادرون في النهاية و يلقون اللوم علينا ..

.لأننا إهتممنا و بالغنا في ظننا بهم ..

فهم لا يستحقون

#موساوي عبد الغني 

رأيك لو سمحت ...