لست معتادة على المكان، لم أره من قبل، كيف لي أن أتحدث أمام هذه السيدة الغريبة ؟ هل علي أن أحكي من جديد كل مامضى؟ ماذا عن كل تلك الأمور التي تناسيتها ؟ كان علي أن أزور طبيبتي التي أشرفت على حالتي منذ البداية، لكن استشارة أخصائية ثانية أمر جيد.. أليس كذلك؟ كل هذه الأسئلة كانت تدور في رأسي و أنا على عتبة مكتب الطبيبة النفسية التي أزورها لأول مرة .. دخلت، ألقيت التحية ثم جلست قبالتها، كنت أفكر في التراجع عن الأمر و لكن للأسف أو لحسن الحظ فات الأوان.

طلبت مني أن أحدثها عن نفسي أولا ثم عن سبب زيارتي لها. لم يكن الأمر سهلا أبدا فقد اختلطت علي الأمور ذلك أنني كنت قد جهزت خطابا فيما يخص سبب الزيارة و ملفي الطبي و ما أعانيه.. لكنني لم أفكر بتاتا في "من أنا"؟

حاولت تجميع شتات أفكاري و تلبية طلبها بالطريقة الأكثر اعتيادية، أنا فلانة أعمل بكذا متزوجة و لي طفلة صغيرة، تلعثمت شيئا ما عندما تسائلت عن سكني لأنني لا أرتاح في أي مكان.. لكنني قمت بالأمر بأسرع وجه ممكن لكي أمر إلى بيت القصيد، أخذت أنواعا من الحبوب للتحكم في اضطراب ثنائية القطب لما يقارب السنتين ثم تركت كل شيء وراء ظهري و قررت بناء حياة جديدة بلا أدوية و لا مثبتات للمزاج، عشت سنتين من السعادة إلى أن أصبت حاليا بنوبة اكتئاب قاسية جدا.. حدثتها عن الأمر بتفاصيله الدقيقة، لكن لا رغبة لي في الخوض في الأمر هنا و الآن.

بمجرد انهاء كلامي أكدت الطبيبة التشخيص الأول ثم شرحت لي أن كل ما وصفته بالسعادة في الفترة السابقة لم يكن سوى نوبة هوس غطت عيني عن كل المشاكل و بنت لي وهما كبيرا أسميته حياة سعيدة.

و لكن، ماذا لو كان ما أعيشه اليوم من اكتئاب هو ما يوهمني بأن ما عشته من سعادة كان وهما ؟ أين الحقيقة إذن؟

هكذا و بكل بساطة علي أن أشطب سنتين من حياتي بأفراحها و ضحكاتها و قراراتها .. لأنني كنت في نوبة هوس.. لم أكن أنا من فرحت و لا أنا من ضحكت و لا أنا من قررت .. من يتحمل وزر كل تلك القرارات إذن؟

أتعلمون أنني أستثقل كلمة "أنا".. كيف لي أن أبدأ عبارة ما بكلمة أنا و أنا لا أعلم من أنا.. الحكيمة،الملتزمة، الحريصة، الهادئة.. في نوبات الاكتئاب.. أم الشقية، الساذجة، المتمردة، المبذرة المضطربة.. في نوبات الهوس.. من أنا؟