قصة قصيرة بقلمي

وجدَ نفسهُ على سفحِ جبلٍ عالٍ جداً يبعثُ في نفس من رأهُ الخوفَ الشديد بسببِ الظلامِ الحالك و الرياحِ العاتية

تمّلكهُ شعورُ الموتِ ولم يُحرك ساكناً ، فجاءهُ صوتٌ من بعيدٍ لم يستطع تحديدَ أتجاهه ، أخذَ ينظرُ لعلهُ يجدُ مصدرَ الصوت فلم يرى أي شيء ، ثم صرخَ يستنجدُ الصوتَ وقال أنا هنا ساعدني أرجوك ، ردَ عليهِ الصوتُ وقال أنني قادمٌ لا تخف .

مرت الدقائقُ ولم يأتي أحد ثم تلتها الساعات الطويلة وقد أصابهُ الخوفُ أكثرَ و أكثر ، لم يكُن يستطيعُ فِعلَ أي شيء أو أن يحاولَ التحرُك ، فقد علِمَ أن أي حركةٍ بسيطةٍ سوفَ تودي بحياتهِ ، وفجأةً بدأت السماءُ تُمطِر وأختلطت حباتُ الماءِ مع الترابِ على الجبلِ ، وهنا أدركَ أن حظهُ عاثِرٌ جداً فبعدَ قليلٍ سوفَ تنهارُ المناطِقُ المُهمشةُ من الجبلِ فوقهُ ليسقُطَ أسفلَ السفحِ الى حيثُ لا يعلم هل سيُنقِذهُ جريانُ الماء في الأسفلِ أم سيقتُلهُ .

في تلكَ الأثناءِ مرَ عليهِ شريطُ حياتهِ بأكمله علهُ يتذكرُ لماذا يحصُل معهُ هذا العذاب الذي لا يُمكِنُ تحمُلهُ ، لكن دون جدوى لم يجد شيءً ، ثم عادَ الصوتُ اليهَ يُخبِرهُ بالصمودِ قليلاً ، لم يلبث لحظةً حتى وجدَ رجُلً يقفُ أمامهُ بِعباءةٍ سوداءَ اللونِ مُهترِءةً تعلو وجههُ أبتسامةٌ ساخِرةٌ ، فقال لهُ ِلمَ تبدو عليكَ علاماتُ السُخريةِ مني يا هذا ألم تأتي لمُساعدتي ، فردَ الرجلُ عليهِ قائِلاً نعم لقد جئتُ لمُساعدتِكَ فأنا سوفَ أُخلِصكَ من عذابِكَ هذا سأجعلُكَ تتحررُ من كُلِ قُيودِكَ ومُعتقداتِكَ لتُبحِرَ في أعماقِكَ بحثاً عن أجاباتِ مجيئكَ الى هنا .

لم يكُن يريدُ أي شيءٍ سوى أن يُنقِذهُ الرجُل مهما كلفَ الأمر ، أخبرهُ الرجُل بشروطهِ قبل أنقاذه وكانَ ينصُ عليهَ أن يُخلِصَ في طاعتهِ لهُ و أن لا يُخبِرَ أحداً عنهُ ، وقبلَ أن يُنهي الرجُلَ حديثهُ كان قد وافقَ على كُلِ شيءٍ في سبيلِ أنقاذه .

دفعهُ الرجلُ نحوَ الهاويةِ ليسقطَ الى الأسفلِ وكانت صرخاتهُ تملئُ المكانَ كله ، وقبلَ أرتطامهِ أغمضَ عينيهِ خوفاً وعندما فتحَ عيناه وجدَ نفسهُ على سريرٍ في غُرفةٍ جُدرانُها مُلطخةٌ بالدماء التي تُشكلُ أحرُفاً كثيره ، أستطاعَ أن يجمعَ ما هو موجودٌ على الجُدران ليخرُجَ في عبارةِ كانَ نصُها " أنا لا زلتُ هُنا ولن تستطيعَ أن تُنهي وجودي الأ إذ قتلتَ نفسكَ فأنا أنت و أنت أنا أنت تعيشُ في داخلي و أنا أعيشُ في داخِلكَ يا عزيزي

بدأ بالصراخِ راجياً أن يخرجَ من مأزقِهِ أو أن يرى الرجُلَ لِيعرفَ حقيقتهُ ، فدخلت عليه أمرأةٌ لم تكنٌ ملامِحُها واضِحةً لهُ ، أضرمت النارَ في الغرفةِ وخرجت تضحك بصوتٍ عالٍ ساخرةً منه .

لم يدري ماذا يفعل فهذه النيرانُ سوفَ تُذيبُ جسدهُ ، وبدأ يتوسلُ ويبكي ليأتي أحدٌ ما من بينِ النيرانِ لأنقاده

لكن لم يأتي أحد ، بدأ قلبهُ يخفِقُ بسرعةٍ كبيرة و أبقى ذراعهُ مرفوعاً ليُخففَ عن عينيهِ وهجَ النار فوصلَ اللهبُ ليُحرِقَ يدهُ ، وفجأةً أستيقظَ في غرفتهِ و أذ بهِ يحلُم ، فعادَ قلبهُ الى طبيعتهِ تدريجياً لكنهُ لم يدرك بعدُ أنهُ ما زالَ في دوامتهِ وظنَ أن كلَ شيءٍ أنتهى ، نهضَ وذهبَ نحو النافذةِ و رأى أناسً موتى في الشوارعِ ، صدمَ مما رأهُ ثم لاحظَ شيءً يتحرك من بينِ الجثثِ الهامدةِ ، أمعنَ النظرَ جيداً ليرى نفسهُ واقِفاً في الأسفلِ ، لم يستطع تصديقَ ما يراه وبدأ خيالهُ بالتحركِ نحوهُ ، ليجدهُ أمامهُ في الغرفةِ غاضِباً فقال لهُ خيالهُ يجبُ أن تموتَ الأن أنت لا تستحقُ العيشَ أبداً ، لم يدري ماذا يحدُث ولماذا يتكلمُ جميعُ من يراهُم عن موتهِ وفجأةً أختفى خيالهُ و أصبحَ هُناكَ صوتٌ في عقلهِ يردد كلمةَ الموت حتى أُصيبَ بالصداعِ الشديد و أرادَ أن ينتهي من معناتهِ ، توجهَ نحوَ الشُرفة ليلقي بنفسه ويتخلص من هذا الألم الذي أرهقهُ وحطمهُ من الداخلِ و أثناءَ تقدمهِ نحو الموتِ بخطواتٍ يائِسه طرقت والدتهُ بابِ غرفتهِ فوجدَ نفسهُ يستيقظُ من نومهِ العميق وقد أنتهى كُل شيء .

لقد أعلنت والدتهُ عندما طرقت بابَ الغرفة أنتهاء معركةِ الليل التي كادت أن تودي بحياتهِ و أدركَ أن من كانَ معهُ في الأحلام المُزعِجةِ ما هو الأ عقلهُ الباطن ذلكَ الحاكِمُ الجبار الذي حاولِ أن يُسيطرَ عليهِ بفعلِ ما تم تخزينهُ بداخلهِ ، تلكَ القوى التي تصورُ كُل شيءٍ لنا في نومنا يمكن أن تجعلنا نحيى بسلامٍ في الحُلم أو أن تجعلنا نتذوقُ طعمَ الألم الذي لا نميزُ وجودهُ من عدمه.