هذه التدوينة منشورة بالأصل على مدوّنتي على الرابط الآتي (وقد نسختُها هنا لسهولة القراءة):

إخلاء مُسْبَق للمسؤولية: طول هذه التدوينة نحو 4,500 كلمة، أي حوالي عشرين صفحة

قررتُ قبل خمس سنوات أن أبدأ بتجربة فكرة "الأهداف السنوية" (أو ما يسمّى New year resolution)، واعتدتُ منذ ذلك الحين أن أضع لنفسي في بداية كل عام قائمة بأهدافي الشخصية، فصارت هذه القائمة جزءاً جوهرياً من "روتين" حياتي ودافعاً حقيقياً وفعَّالاً جداً لإنجاز أمورٍ محدَّدة قبل نهاية كل عام. ومنذ بدأتُ هذه التجربة وأنا أكتبُ عنها تدوينة سنوية أشاركُ فيها نتائج أهدافي، لكن عليَّ أن أفتتح تدوينة هذا العام باعتراف مؤسف: وهو أن هذه أول مرة (منذ خمس سنوات) لا أكتبُ فيها تدوينةً صادقة، فقد تبيَّن لي منذ شهور أني نسيتُ في خضمّ تلقّبات حياتي وضع أي أهداف لنفسي هذا العام. وقد تحايلتُ على هذا التقصير المجحف بأني وضعتُ قائمةً بأهدافي للشهور الأربعة الأخيرة فقط من سنة 2020، وأضفتُ إليها أموراً شبيهةً -عموماً- بما كنتُ أضعه على قوائمي السنوية عادةً. وفي هذه التدوينة أتحدث كالعادة عمَّا وضعتهُ لنفسي من أهداف، وكذلك عن عموم التجارب التي خضتُها في هذه السنة.

أهدافي المزوّرة

1. قراءة 25 كتاباً

القراءة هي أول وأوضح وأهم الأهداف السنوية لي في كلّ عام، فهي هدف يسهلُ قياسه وتحديده ولها -باعتقادي- تأثير مباشر وجوهري على حياة الإنسان في كلّ مجال من المجالات. والحقيقة أني أشعر بحزن وشفقة على نفسي مما قضيتهُ من سنين أكافحُ فيها لقراءة كتاب أو كتابين وأحتفل بهما وكأني حققتُ إنجازاً عظيماً، على أن هذه -برأيي- طريقة سيّئة للنظر إلى القراءة وتنمّ عن كارثة متجذّرة في تنشئتنا وثقافتنا، التي تنظرُ إلى القراءة وكأنها عملٌ شاقّ لا على أنها جزءٌ من روتين الحياة، وهو ما أسعى لهُ فعلياً من أهدافي في القراءة. كنتُ في السنين الماضية أضعُ لنفسي هدفاً متواضعاً لا يتجاوزُ كتابأً في الشهر، على أني تجرَّأتُ فيه ذا العام على رفعه إلى 25 كتاباً (وهي جرأةٌ لم أفي بها، لكني اقتربت).

أكثر ما يسعدني حيال الكتب التي قرأتُها خلال الشهور الاثني عشر الماضية هو أن فيها توازناً معقولاً بين الكتب العربية والإنكليزية، وهو -بنظري- من أكبر التحديات التي تواجه أي شخص يحاول إتقان أكثر من لغة. وكنتُ قد جمعتُ في بداية هذا العام قائمتين لكتب أشعر بأن عليَّ قراءتها، إما بسبب التزاماتي كطالب (في حالة الإنكليزية) أو كشخص يُعْنَى بلغته وتراثه (في حالة العربية).

من الكتب العربية التي قرأتُها كليلة ودمنة ورسالة ابن فضلان من الأدب التراثي، وكان كلاهما ممتعين جداً، كما قرأتُ لجبران خليل جبران ومحمد حسين هيكل وتوفيق الحكيم وعلي الطنطاوي وطه حسين من أدب النهضة.

وأما في الإنكليزية فقد قطعتُ شوطاً كبيراً في الأدب الإنكليزي، الذي أعتبر الإلمام فيه واجباً دراسياً أحملهُ على عاتقي. أنهيتُ في بداية العام رواية "North & South"، وهي رواية متعبة من خمسمائة صفحة لم أستغرق في قراءتها إلا نصف عام (بالتوازي مع كتب أخرى). وقرأتُ كذلك روايات كلاسيكية وحداثية تتراوحُ في طولها، ومنها "Lord Jim" و"Kite Runner" و"Time Traveller's Wife".

تضمّنت قراءتي في هذا العام قدراً كبيراً نسبياً من الكتب الأكاديمية، وأكثرُ ما فرحتُ بإتمامه منها هو "Syntactic Structures" لنعوم تشومسكي، الذي أسَّس فيه مجالاً كاملاً بعلم اللسانيات الحديث يوجبُ على كل طالب لغة قراءته. والمضحك أن هذا الكتاب هو أقصرُ ما قرأتُ في هذا العام (فطوله لا يتجاوز تسعين صفحة)، لكنه من أكثر ما أمضيتُ وقتاً في قراءته حتى تكمنتُ من استيعابه.

يمكنك (إن رغبت أو اكترثت) الاطلاع على مراجعاتي التفصيلية لمعظم هذه الكتب على موقع غود ريدز:

2. تأليف كتاب

كنتُ قد كتبتُ بسعادة في تدوينتي عن الأهداف السنوية لعام 2018 أني "أنهيت 90%" من هدفي للكتابة ذلك العام (إذ اعتدتُ أن أفتتح قائمتي في كل عام بهدف للكتابة مع هدف القراءة)، وهو تأليف "كتابٍ" أو كتيّب في الترجمة العربية. ويسعدني أن أؤكد الآن أني أمضيتُ عامين آخرين فقط لإتمام العشرة في المئة الأخيرة من الكتاب، أو ما زعمتُ ذات يومٍ أنه عشرة في المئة.

بدأتُ مشروع هذا الكتاب حينما كنتُ أكتب تدوينة قبل ثلاث سنوات عن بعض المشكلات المنهجية في الترجمة من الإنكليزية إلى العربية، وتوسَّعت تلك التدوينة بسرعة حتى صارت سلسلةً من التدوينات، ثم غدت دورة في الترجمة، ثم كتيّباً، ثم كتاباً في آخر الأمر. وقد كان إكمال هذا المشروع على قائمتي أهدافي قبل عامين، ومرة أخرى قبل عام، ولم أظن أن من الضروري وضعه مرة ثالثة في قائمة أهدافي لأن مسودته في نهاية العام الماضي كانت قد وصلت مئة صفحة. ولعلَّه من الواضح أن ظني لم يكُن في محلّه.

بدأتُ في هذا العام مسودّة جديدةً لكتابي من صفحة بيضاء، وأعدتُ بناءه تدريجياً بعد أن أدركت أن جُلَّ محتواه السابق أمسى غير منظَّمٍ ولا ملائم بنظري بعد رحلة التأليف الطويلة التي خضتها، والتي قرأتُ خلالها نحو عشرين كتاباً في الترجمة، واطلعتُ على عشرات من الكتب والأبحاث والمقالات المتفرّقة. ولذا رحتُ أعيد كتابة الكتاب بناءً على ما أصبح في حوزتي من مراجع كثيرة، مع نقل بعض الأجزاء من مقالاتي القديمة بعد إجراء تحرير وتنقيح مُكثَّف، وأخيراً طلبتُ من والدي، وهو صاحب خبرة ثلاثين عاماً بهذا المجال، تحريره بالكامل.

استغرق العمل كلّه بتقديري بضع مئات من الساعات، وتحوَّلت هذه الساعات كلها أخيراً إلى كتاب مكتملٍ من عشرة فصول و45,000 كلمة، يتناولُ الترجمة بدءاً من مقدمة عامة ("شيّقة" في ما آمل)، يتبعها شرحٌ نظريّ وأكاديمي، ثم شرح تطبيقيّ في سياق الترجمة من الإنكليزية إلى العربية حصراً.

على أن تأليف الكتاب كان مهمةً، وأما نشرهُ فمهمةٌ أخرى. فقد بحثتُ بين عدد هائل من دور النشر على مدى أسابيع، على أني لم أراسل في النهاية إلا حفنةً منها، إذ إني كنتُ أبحث عن ناشرٍ بمواصفات خاصّة جداً: فإما أن يكون ناشراً مختصاً بالنشر الأكاديمي في العلوم الإنسانية، أو أن يكون غير ربحي أو قائماً على النشر المفتوح. وكنتُ محظوظاً جداً بأن عثرتُ على ناشر رائع قبل نهاية العام بفترةٍ وجيزة، وهو "أكاديمية حسوب"، والتي سوف تنشرُ الكتاب تحت رخصة "المشاع الإبداعي" بحيثُ يمكن لمن يشاء تحميله والاستفادة منه بدون قيود.

من المتوقع أن يصدر الكتاب في الشهر الأول من سنة 2021، فكونوا بالانتظار!

3. تأليف رواية

لو كنتَ تتساءل، فإني تأليف رواية -بتجربتي المتواضعة- أصعب بكثير من تأليف أي بحث أو كتاب أو موضوع أكاديمي، فهي تستنزفُ المؤلِّف بسبب ما تستدعيه من طاقة إبداعية مستمرّة وإتقان في الكتابة وإلمام بعدد هائل من الأحداث والشخصيات المتوازية. وللأسف فإن هذا التحدي العصيب يتصدر أهدافي في الحياة منذ سنين، وقررتُ في هذا العام (للمرة الرابعة أو الخامسة) أن أُجرِّبَ حظي في تجاوزه.

كان ما شجعني على العودة إلى ميدان التأليف القصصي هو مشاركتي في تحكيم مسابقة للقصة القصيرة (والتي سوف يأتي ذكرها أدناه): فقد استغرقني العمل المهني منذ سنة تقريباً بحيث ابتدعتُ تماماً عن هذا الميدان، على أن تجربة التحكيم في المسابقة "أيقظت" عشقي للكتابة القصصية (نعم، كان إيقاظاً درامياً بعض الشيء)، وأشعرتني بضرورة العودة إليها. وقد كان هذا -فعلياً- الهدف الوحيد الذي أضفتهُ إلى أهدافي السنوية "المُزوَّرة" قبل أن أنجز أي خطوةٍ فيه.

يسعدني أن أقول أن روايتي الأولى قد تكتملُ قريباً، إذ وصلت المسودة حتى الآن إلى ثلاثين ألف كلمة، وهي أطول مسودة رواية كتبتُها قطّ، وما بقيت عليَّ كتابتهُ من حبكتها يفترض أن يزيد طولها بما بين خمسة إلى عشرة آلاف كلمة إضافية على الأكثر. وأظنّ بالتالي أنها ستكون رواية من القطع القصير نسبياً حين إكمالها، بحوالي 200 صفحة ربما.

وأما موضوع الرواية فقد ألهمتني به رسالة أحمد بن فضلان عن رحلته إلى بلاد الصقالبة، والتي قرأتُها سابقاً في هذا العام. وكان أحد الروائيّين الأجانب قد اقتبس أحداث الرحلة نفسها في رواية منذ نحو ثلاثين عاماً، على أنه مزج أحداثها بملحمة شعرية إنكليزية فأفسدها إفساداً شنيعاً (ومن شاهد فلم "المحارب الثالث عشر" قد يعرفُ ذلك). وأما ما وددتُ كتابته عن الرحلة فهو رواية تاريخية عربية، إذ إني أجريتُ بحثاً موسعاً عن قصة ابن فضلان وعن سياقها التاريخي لتصوير أحداثها والأماكن التي تقعُ فيها بأكبر دقة ممكنة، على أني أخذتُ حرية روائية في إضافة تفاصيل القصة الناقصة وتوصيل أحداثها ببعضها في حبكة أدبية، بحيث أنها تبقى روايةً خياليةً "مستوحاةً قدر الإمكان من الواقع".

ما زلتُ متردداً جداً حيال نجاحي في هذا العمل: فكما أسلفت، الكتابة القصصية من أصعب الأمور التي حاولتُ عملها. لكني أظن أنني سأتمالك شجاعتي في هذه المرة وأحاول نشر الرواية، والتي أتوقّع أن تصدر في منتصف العام القادم أو في نهايته نظراً لما قد يقاطعني حتى ذلك الحين من التزامات حافلة.

4. إنشاء "منصة ويكيبيديا للجامعات"

ذات مساء شتوي قبل عام تقريباً، على الضفة اليسرى لنهر الراين وأمام أبواب محطة القطارات الرئيسية (هاوبتبانهوف) في مدينة كولونيا، التقيتُ بالزميل العزيز محمد عبد اللطيف مؤسّس "مبادرة ض"؛ وهي مؤسسة تطوعية في ألمانيا تعملُ على تطوير المحتوى العربي الحرّ. كنتُ وقتها أمشي كالأعرج لكثرة ما أصاب ساقي من إرهاق بعد مئات الكيلومترات التي سارتها في بلاد شتى بأوروبا، فنويتُ أن أنهي اللقاء سريعاً وأعود إلى البيت لأريحها، لكن الأحاديث أخذتنا حتى منتصف الليل ووُلِدَت منها فكرة قضينا -معاً- جزءاً لا يستهانُ به من هذا العام سعياً لتطبيقها.

تتمحورُ هذه الفكرة حول واحدةٍ من أكبر العقبات التي تكتنفُ العمل التطوعي في ويكيبيديا، وهي استقطاب وتأهيل المتطوعين الجُدد في الموسوعة، وقد أدرك الكثير من الويكيبيديّين حول العالم أن أسهل مكانٍ لتجنيد هؤلاء المتطوعين هو صفوف الجامعات، فطلاّبها من الشباب ذوي أوقات الفراغ الطويلة والطاقة العالية للتطوع، كما أنهم -حسبما يفترض- متعلّمون ومؤهلون في أسس البحث العلمي واستعمال المصادر والكتابة. على أن من حاول تدريس هؤلاء الطلاب "برنامج ويكيبيديا للتعليم" في العالم العربي يعرفُ أن هذه الآمال بعيدةٌ عن الواقع، وأن تدريب هؤلاء الطلاب للكتابة أمر يستغرقُ استثماراً وجهداً طويلاً من مجتمع الويكيبيدييّن.

لحلّ هذه المشكلة، أو لتيسير حلّها، قررنا أن نعمل على إطلاق منصة لمساعدة هؤلاء الطلاب (ومن يعملون على تدريبهم) في اكتساب مهارات التحرير والكتابة بموسوعة ويكيبيديا، وفي تنظيم هذا العمل مع أساتذتهم وجامعتهم بطريقة احترافية. أجرينا على مدار هذا العام نحو عشر اجتماعات مُطوَّلة خرجنا منها بخطّة كاملةٍ لمحتوى المنصة وبمسودات أولية كثيرة لهذا المحتوى وبعدد من الفيديوهات الاحترافية التي تشرحُ كيفية التحرير في ويكيبيديا من الألف إلى الياء.

لم يكتمل هذا المشروع بعد، إذ قد يحتاجُ لقسم طويل من العام القادم لتحويل ما فيه من مسودّات إلى منصة متكاملة فيها المعلومات الضرورية لتنظيم "برنامج ويكيبيديا للتعليم" في الجامعات العربية. على أني سعيدٌ باقترابنا خطوة من الهدف.

5. متابعة مساري المهني

ليس من المفاجئ غالباً أني (كمعظم الناس) لستُ من هواة العمل، ولم تكُن الوظيفة قطٌّ من الأمور التي أطمح لإدراجها في قائمة أهدافي السنوية، لأني أعتبرها جزءاً من "الروتين" اليومي للحياة، والفكرة من الأهداف السنوية -برأيي المتواضع- هي أن يعمل المرء على تحقيق أمور غير اعتيادية في حياته أو الاقتراب من أحلامه. لكني قررتُ أن أمنح استثناءً للوظيفة في الشهور الأخيرة من هذا العام لسببين: أولاً، لأن عملي صارت فيها درجة لا يستهانُ بها من الصعوبة والتحدي المستمرّ بعد تغيّر مُسمَّاي الوظيفي (وهو ما سوف أتناوله أدناه، لأنه لم يكُن في الحسبان)، وثانياً، لأني التزمتُ بالعمل على بعض الوظائف بدوام حرّ بالتوازي مع وظيفتي الرئيسية، وهو تحدّ آخر وددتُ تجاوزه.

ليس هناك مقياس حقيقي لهذا الهدف (وهو ما لا ينصح به في الأهداف عادةً)، لكني أظنّ أني نجحتُ فيه فيما أردت: فقد تمكنتُ من أداء وظيفتي الأصلية في الفريق الاستراتيجي، كما أني استمرّيتُ بالعمل الحرّ في الكتابة والتحرير كما سيأتي.

تجارب أخرى

سفر ورحلات

لعلَّ هذا ليس الإنجاز الذي تتوقعه في العام الذي نعيشه (ولعلّ أي مزحة أخرى عنه أو عن فحواه ستكون مستهلكة إلى درجة السّماجة في العام الذي نعيشه)، على أنني كنتُ محظوظاً -جداً- في أني حصلتُ على منحة "إيراسموس" للدراسة في ألمانيا في آخر فصل دراسي قبل تفشّي جائحة كوفيد-19، وقد سمحت لي هذه المنحة بقسطٍ معقول من السفر والترحال افتتحتُ فيه هذا العام: إذ تنقلتُ خلال الشهور الأولى من هذه السنة بين ألمانيا وبلجيكا وهولندا وإسبانيا والأردن والسعودية.

والأمر المؤسف هنا، لو كنتُ جاحداً بعض الشيء أمام ما حظيتُ به من نِعَمٍ، هو أني كنتُ قد زرتُ معظم هذه البلدان في رحلات سابقة (خصوصاً أثناء دراستي في أوروبا)، إذ لم يكُن بينها إلا بلد واحد أضفتهُ إلى "قائمة زياراتي" التي لديَّ شغف شخصي بتوسيعها كلما أمكن. وكان البلد الجديد هو إسبانيا، وبإضافتها وصل عدد البلدان التي زرتها خلال حياتي إلى 26 بلداً، ولا يبدو أن هذا العدد سيشهد زيادات أخرى عمَّا قريب؛ على أني لا أنفي رضاي عمَّا وصلته سلفاً مهما طمعتُ بالمزيد.

كانت زيارتي القصيرة لإسبانيا مميزة بعض الشيء. فقد شاهدتُ فيها كنيسة ساغرادا فاميليا، التي قررتُ أن عليَّ زيارتها منذ رأيتُها في فلم وثائقي وأنا طفل (ولم أصدّق آنذاك أن في عالمنا بناءً حقيقياً بهذا الشكل)، كما زرتُ مركز أكواريوم والتقيتُ صديقاً ويكيبيدياً ورأيتُ جامع قرطبة الكبير وقصر الحمراء في غرناطة وتجولتُ في قصور "المعتمد بن عبَّاد"، وهو أحد الأشخاص القليلين -نسبياً- في العالم الذين يشاطرونني اسمي.

اللغة الألمانية

افتتحتُ الشهر الأول من هذا العام بمغادرة ألمانيا (بعد إقامتي فيها لنصف عام في برنامج تبادل دراسي)، ممَّا قد يوحي بأن أهمية اللغة الألمانية في حياتي قد تضاءلت، على أني أظنّ أن مستواي فيها تحسَّن خلال هذا العام أكثر بأشواطٍ من العام الماضي ولو بدا هذا أمراً غير منطقي.

كنتُ قد نجحتُ في امتحان مستوى B1 باللغة الألمانية بنتيجة مشرّفة في العام الماضي، والتي تجاوزت درجة الرسوب بفارق علامةٍ واحدة، على أني حصلتُ على هذه النتيجة المدهشة وأنا أتغيّب عن واحدةٍ من كل محاضرتين (إما للعمل أو السفر أو قضاء مسؤوليات أخرى). وأما خلال هذا العام وبفضل جائحة كوفيد-19، فقد صرتُ أعيش حياةً هادئةً لها روتين ثابت، وكان من السهل أن أخصّص وقتاً تعلّم اللغة في هذا الروتين.

لعلَّ أكبر إنجاز لي في تعلّم الألمانية هذا العام هو أني أنهيتُ مشاهدة مسلسل "ناروتو" كاملاً فيها، ومشاهدته كانت قد مشواراً طويلاً وحثيثاً بدأتهُ قبل ثلاث سنوات تقريباً، وواظبتُ عليه خلال هذه السنوات بمعدّل حلقة واحدة كل يومٍ أو يومين. وأما سبب اختيار ناروتو لهذه الرحلة فهو مبرَّرٌ جداً: فتعلّم اللغات تحدّ صعبُ ويحتاج لمثابرة ورغبة، ومسلسل ناروتو (رغم مشكلاته الكثيرة) ممتعٌ ومشوّق جداً ويعطيك رغبة مستمرّة للمشاهدة، حتى ولو استغرقتك ثلاث سنوات. كما أن قصة بطل المسلسل لا تتوانى عن تذكيرك بأهمية المثابرة والإصرار في تحقيق أي شيء، فتصبحُ مثلاً ملهماً لك في مشوار تعلّم اللغة!

لا أظن أن مهارتي في الحديث بالألمانية قد تحسَّنت شيئاً يذكرُ خلال هذا العام، ربّما لأنه لم يكن حولي أي ناطق آخر باللغة بالألمانية، على أني لاحظتُ فرقاً كبيرأ جداً في قدرتي على القراءة والاستماع. صارت القراءة والمشاهدة بالألمانية جزءاً من روتيني اليومي، فأنا أشاهدُ حالياً مسلسل Dark على نتفلكس بلغته الأصلية وأقرأ قصص ميشائيل إندة المشهورة وغيرها، وآملُ أني قد أستطيع قريباً القراءة والمشاهدة بها بدون حاجةٍ لقاموس.

اللغة الفينيقية

لعلَّ هذا ليس أمراً جديراً كثيراً بالذكر، لكن كنتُ شغوفاً منذ طفولتي بتاريخ الفينينقيين وممالكهم البحرية التي نافست روما على البحر المتوسّط، وتعزَّز اهتمامي بهم حينما عرفتُ -في دراستي الجامعية- أنهم أول من اخترع الأبجدية التي تناقلتها عنهم معظم اللغات الكبرى في العالم حالياً، فأصبح لديَّ فضول كبير لمعرفة هذه الأبجدية واللغة لكونها جزءاً من تراثي وتاريخي العتيق.

وتعلّم الأبجديات ليس أمراً صعباً بحدّ ذاته، إذ يمكنُ للمرء أن يتقنَ قراءة أبجدية (صوتياً، لا دلالياً) خلال يوم واحد تقريباً، على أن الصعوبة كانت في قلة المصادر المتوفرة. تعلمتُ في الشهور الأخيرة من هذا العام قراءة وكتابة حروف الأبجدية الفينيقية الاثنين والعشرين، كما تعلمتُ بعض الكلمات والقواعد الأساسية جداً، وقد بحثتُ كثيراً عن كتاب أو موقع أتعلّم منه قواعد اللغة ومفرداتها بتعمّق، إلا أني لم أجِدْ شيئاً من ذلك يسهلُ الوصول إليه، بحيثُ أني صرتُ أفكّر بأن يكون هذا العمل واحداً من مشاريعي للعام القادم.

ترقية وظيفية

كانت "وظيفة أحلامي" المرجوّة منذ أمد طويل هي العمل مع مؤسسة ويكيميديا غير الربحية، وهي المؤسسة المسؤولية -قانونياً- عن موسوعة ويكيبيديا الشهيرة، التي كنتُ وما زلتُ من المتطوّعين فيها منذ أكثر من عشر سنوات. وقد جربتُ العمل مع مؤسسة ويكيميديا بعقد مؤقت في سنة 2017 كمنسّق مع المجتمع العربي، ولم تكُن تلك وظيفة الأحلام التي توقعتُها تماماً. على أني كنتُ محظوظاً بأن أنال دوراً آخر وأفضل بكثير مع المؤسسة قبل سنة ونصف، وقد تغيَّر هذا الدور بدرجة لا يستهانُ بها على مرّ هذا العام.

كانت قد وظفتني المؤسسة في منتصف العام الماضي في دور "مساعد" (Assistant) لفريق التخطيط الاستراتيجي، المسؤول عن وضع استراتيجية لويكيبيديا ومشاريعها الشقيقة حتى عام 2030. وكنتُ سعيداً جداً بهذه الوظيفة لأنها كانت فرصةً مميزة للعمل في فريق متكامل ضمن المؤسسة (على عكس تجربتي السابقة كمنسّق للمجتمع العربي حصراً)، فصرتُ أشعر بوجود دورٍ وقيمةٍ لي هذا الفريق، رغم أن مسؤولياتي كانت محدودة جداً وأقرب إلى "صبي الشاي" من بعض النواحي: فقد كانت المهمة الرئيسية في وصف عملي هي توثيق محاضر الاجتماعات.

على أن مسؤولياتي في فريق الاستراتيجية زادت تدريجياً مع المنعطفات والتحديات التي واجهناها، إذ أسُنِدَت لي مهام متزايدة في جمع البيانات وتحليلها والتواصل مع المجتمع والتفاعل مع استفساراتهم عن الاستراتيجية وعن اقتراحاتهم وشكاواهم حيالها (والتي تزيدُ عن الاقتراحات بعض الشيء). وفي منتصف هذا العام عُرِضَت عليَّ وظيفة جديدةٍ لمرحلة جديدة من مشروع الاستراتيجية أكون فيها مسؤولاً بالكامل عن "توثيق المعلومات والمعرفة" (Information and knowledge management) في الفريق، فصرتُ أعمل جنباً إلى جنبٍ مع مديري السابق كزميلٍ لي.

لا شك بأن زيادة المسؤوليات تشعرُ المرء بأهمية وحماس أكبر في عمله، لكنها تزيدُ أعباءه النفسية والتنفيذية كذلك. فمن الأمور التي أحببتها بوظيفتي حينما بدأتُها أنها لم تكُن تشغل ذهني أو حياتي كثيراً، حيث كنتُ أنصرفُ إلى مشاريعي الشخصية ونشاطاتي التطوعية بمجرّد انتهاء وقت الدوام. وأما وظيفتي الجديدة فأصبحت تستنزفني أكثر بكثير، إذ لم يعُد لي مديرٌ يخبرني بكل صغيرة وكبيرة أقومُ بها: بل عليَّ -في وتيرة الأمور اليومية- أن أُقرِّرَ بنفس معظم المهام التي عليَّ القيام بها، وأن أعيش في حالة هلعٍ يومي من أن أكون قد نسيتُ مهاماً تقعُ ضمن نطاق مسؤولياتي أو قصَّرتُ فيها.

رغم كل شيء وبعد أن وصل العام لنهايته، فأنا سعيدٌ جداً بأني -على حد علمي- لم أسبّب أي كارثة في عملي، وحسبما يبدو فإني لم أنسى أي مهمة (أو مهمة جوهرية على الأقلّ) مما كان موكلاً لي. سوف أستمرّ في الوظيفة نفسها حتى 15 فبراير من العام القادم، على أني طلبتُ من مديري عدم تمديد عقد العمل بعد ذلك. فقد قررتُ إثر تفكير مليٍّ العودة إلى مقاعدة الدراسة.

وظائف في التحرير

كنتُ محظوظاً أيضاً خلال هذا العام بأني تلقيتُ عدّة فرص للعمل الحرّ إلى جانب وظيفتي بدوام كامل. فقد عملتُ ككاتب لمدوّنات مستقل وخمسات مع شركة حسوب، فكانت أول مرة منذ فترة طويلة أعود فيها إلى "مقعد" الكاتب، كما كانت تجربة ممتعة في كتابة مقالات شتى عن الترجمة والتدقيق اللغوي. عملتُ في هذا العام أيضاً مع الجمعية الأردنية للمصدر المفتوح كمحرّر، وفي نوع جديدٍ عليَّ من المحتوى يتمحور حول الأمن والحريات الرقمية. كنتُ قد جرَّبتُ هاتين الوظيفتين عدة مرات في السنوات السابقة، على أن العودة للعمل فيهما باللغة العربية كانت ممتعةً بعد سنة ونصف في منظمة دولية تعملُ باللغة الإنكليزية حصراً.

تطوير "ويكيميديا بلاد الشام"

أشعرُ بأن كلمة "ويكيبيديا" مرادفة لاسمي عند كثير ممن يعرفونني. وقد كان جُلُّ مساهماتي التطوعية مع ويكيبيديا خلال هذا العام (ومعظم السنين الماضية) في منظّمة "ويكيميديا بلاد الشام"، التي أشغل فيها دور المنسّق العام منذ ثلاث سنوات. على أنّ هذه السنة كانت استثنائية جداً في عملنا، فقد شهدت تحولاتٍ مذهلةً على أصعدة شتّى.

تأسست ويكيميديا بلاد الشام قبل خمس سنوات، ومنذ ذلك الحين مرَّت بمراحل تطوّر عدة، على أنها ظلَّت -بالعموم- مجموعة تطوعية متواضعة لا يزيد عدد أعضائها عن الخمسين، أقلّ من نصفهم نشطون. لكن خلال هذه السنة وربما بسبب جائحة كوفيد-19، وقعت قفزاتٌ نوعية ومذهلة في عدد الأعضاء ونشاطهم وعملهم. فقد تجاوز عدد أعضاء المجموعة المئة، وصارت نشاطاتنا كثيفة وأسبوعية في وتيرتها فلا تتوقف على مدار السنة، والاجتماعات نشطة والحضور دائمٌ و والعمل والمهامّ مشتركة بين عدد كبير من الأشخاص المتحمسين.

ومن أمثلة نشاط المجموعة خلال العام الماضي تنظيم برنامج تدريبي على التحرير في ويكيبيديا في جامعة الخليل بفلسطين (إلكترونياً)، إذ درّب متطوعون من ويكيميديا الشام طلبة الجامعة على كيفية الكتابة والمساهمة في ويكيبيديا، وأضاف هؤلاء الطلبة أكثر من 500 مقالة إلى النسخة العربية من الموسوعة خلال شهر واحد. وهذا ليس إلا واحداً من نحو ثلاثين نشاطاً نظّمتها المجموعة ما بين ورشٍ تدريبية ومحاضراتٍ وحملات للتحرير وغير ذلك.

شهدت مجموعتنا -كذلك- تطوّراً إدارياً وتنظيمياً كبيراً. فقد أسَّسنا هيئة إدارية فيها فصلٌ بين الصلاحيات "التشريعية" (من حيثُ إقرار الخطط والمشاريع) "والتنفيذية" (من حيثُ تطبيق هذه المشاريع)، وهي خطوةٌ مهمّة في تنظيم العمل احترافياً. كما وضعنا للمجموعة "مدوّنة لقواعد السلوك" تضبطُ تعامل الأعضاء، وهو أمرٌ أثبت حاجته الماسّة مع الوقت. واعتمدنا أسلوباً منظّماً في وضع الخطة السنوية والمالية للنشاطات لعام 2021 وتأمين الدعم اللازم لها بالوقت المُحدَّد.

كان العمل مع فريق المجموعة ومع مع عشرات الأشخاص (من بلاد الشام وخارجها) على تحقيق هذه الإنجازات من أكثر ما استمتعتُ به خلال السنة الأخيرة كلّها بل وخلال سنين حياتي الماضية. إن شئت، يمكنك القراءة أكثر عن أهمّ إنجازات المجموعة لهذا العام في المقال الآتي:

التحكيم بمسابقة "حروف حرة"

قد تكون أجمل تجربة عشتُها في هذا العام هي التحكيم في مسابقة "حروف حرة" لكتابة القصة القصيرة. أطلقت هذه المسابقة "مبادرة ض" لإثراء المحتوى العربي، والمشرف عليها وصاحب فكرة المسابقة وتنفيذها هو الزميل العزيز محمد عبد اللطيف، والذي أدينُ له بهذه التجربة وبالخبرة العظيمة التي أتتني بفضلها.

أقيمت مسابقة "حروف حرة" في شهر رمضان، وشارك فيها كتاب هواة من مختلف البلدان العربية بنحو 500 قصة قصيرة، وبالنظر إلى عدد أعضاء لجنة التحكيم، وهم كلهم من المتطوعين، فقد كُلِّفَ كلٌّ منّا بقراءة أكثر من مئة قصة في مرحلتي التحكيم الأولى والثانية. على أن المهمة كانت أكثر متعةً بكثيرٍ مما تخيلت، خصوصاً لما شملته من تقديم ملاحظات وتعليقات إلى كتاب القصص (حتى ولو لم يفوزوا في المسابقة) لمساعدتهم على تحسين أسلوبهم وقصصهم.

لعلَّ أهم نتائج هذه التجربة هي أنها أعادت لي شغفي العميق بالكتابة الأدبية. فهذا الشغف هو ما دفعني لاختيار تخصصي الجامعي وللتبحّر بقراءة الأدب منذ سنين طويلة، لكن وظيفتي كانت قد شغلتني عن هذه الأمور بدرجةٍ لا يستهانُ بها. غدوتُ أتطلَّع الآن للعودة لمتابعة تخصصي ومتابعة قراءة شتى ألوان الأدب، بل وإن أكبر مكسبٍ منها لي كان تشجيعي على كتابة أول رواية مكتملةٍ لي (إن حدث وأن اكتملت).

مشروع المعرفة

لأكون صريحاً، فإن "مشروع المعرفة" من أكبر الأعباء التي أثقلت حياتي الشخصية خلال العامَيْن الماضيَيْن ومن الأمور التي كنتُ أتوق لتسريح نفسي من مسؤولياتي نحوها، ويسعدني أن أقول -كذلك- أنه من أكثر ما أفخرُ بالمساهمة فيه خلال العامَيْن الماضيَيْن.

هذا المشروع هو عبارةٌ عن مسابقة تحرير ضخمة جداً لإثراء موسوعة "ويكيبيديا". المسابقة قائمة على تبرّع مالي من شركة غوغل، وهي النسخة العربية من شراكات عالمية عِدَّة (طُبِّقت في بلدان مثل الهند وإندونيسيا وغيرها). وفي هذا المشروع تحدٍّ كبير وصعب جداً، وهو أن تنظيمه قائمٌ بالأساس على جهود تطوعية، رغم أن الخبرات التي يحتاجها تنظيمه تتجاوزُ خبرات المتطوعين إجمالاً.

بدأت علاقتي مع مشروع المعرفة في بداية سنة 2019، حينما طُلِبَ مني أن أساعد في تنظيم النسخة العربية من الشراكة، وهو ما تخيلتها مهمة بسيطة (نسبياً). وكانت تلك بداية رحلة جماعية طويلة فعلاً، على أنها -فيما أظنّ- من أكثر التجارب التطوعية التي أثرت خبرتي: بدءاً من دعوة فريق من المتطوعين من شتى البلدان العربية للمشاركة في التنظيم، ثُمَّ في تنظيم اجتماعات شهرية لوضع خطة تفصيلية لكيفية التصرّف بميزانية المشروع (وهي أكثر من 50 ألف دولار)، ثم في الإعلان عن وظيفة مدفوعة لمدير المشروع وإجراء مقابلات للمتقدمين واختبارات عملية واتخاذ القرار العسير في الاختيار بينهم، ثم العمل مع المدير الرائع لتسيير المشروع وعناصره كافّة من تصميم الشعار والهوية وضع قوانين وأسس المسابقة وتجهيز قوائم المقالات وإنتاج فيديوهات تعليمية.

انطلقت الدورة الأولى من مسابقة "المعرفة" في بداية شهر ديسمبر، ويسعدني القول أنها غدت -على حد علمي- أكبر وأنجح مسابقة في تاريخ ويكيبيديا العربية. سجَّل للمشاركة في المسابقة ما يزيدُ عن من مئة شخص، نصفهم ويكيبيديّون جدد ممَّن أرجو أنهم سيكونوا ذخراً وإضافة كبيرة للموسوعة العربية، وأما المقالات التي ساهموا بها فإنَّ عددها يقتربُ من 1,500 مقالة. وهذه نتائج الشهر الأول من ثلاثة شهور سوف تستمر المسابقة خلالها.

القيادة

كلّ إنسان لديه أمور تمدّه بالثقة بالذات وأمور يشعرُ فيها بالنقص، وأما القيادة فهي من الأمور التي أشعرُ فيها وكأني طفلٌ عاجز: فقد شارف عمري على الربع قرن وما زلتُ مقيداً بواحدة من أهم أسباب الاستقلالية الشخصية في القرن الواحد والعشرين، والتي أرى دوماً أشخاصاً أصغر مني بسنين كثيرة يمارسونها وكأنّها مسألة بديهية يتقنها كل من تجاوز سنّه 15 عاماً. ما عداي أنا.

والحقيقة أن تعلّم القيادة بالنسبة لي عبء ثقيل ومسؤولية كبيرة مليئة بمخاطرات تثقلُ ذهني، لكنها صارت حاجة ماسة. أخذتُ في هذا العام أول دروس جدية في القيادة في حياتي، وصرتُ قادراً على القيادة في الشوارع قليلة الازدحام، إلا أن دروسي انقطعت بعد بدئها بفترة وجيزة، وما زلتُ بعيداً جداً عن الثقة بنفسي وراء عجلة السيارة. وأخشى أني سأحملُ معي هذا العبء النفسي المستمر إلى العام القادم، وربما إلى أعوام أخرى.

التغليف والنقل

لو طُلِبَ مني أن أختار نقطة ضعفي الكبرى في الحياة -ككلّ- فلا شك بأنها ستكون العمل اليدوي. من حسن أو سوء حظي أني نشأتُ تنشئةً ناعمة لم يُطْلَب مني فيها يوماً أن أُعْمِلَ يديَّ في إصلاح شيء أو تركيب قطعة أثاث أو استعمال أدوات العِدّة، وبما أن فضولي لم يدفعني يوماً إلى الاقتراب من هذه الأدوات المخيفة (بما فيها من مطارق وكلابات ومشارط) فإني أمسيتُ إنساناً بالغاً ومكتمل النموّ لا يجيدُ تركيب مكتب أو قطعة من المفروشات.

لن أزعم أني أصبحتُ خبيراً من خبراء العمل اليدويّ هذا العام، ولن أزعم أن قمتُ بأيّ قسطٍ منه يتجاوزُ المتوقع من أي شاب قبل سن المراهقة، على أن قمتُ بأشياء كثيرة جديدةٍ علي. جاء القسم الأكبر من هذه التجارب أثناء أول عملية تفكيك ونقل منزل (أو "منازل") أشتركُ فيها قطّ، والتي عملتُ أثناءها مع المشارط وكرَّارات الشريط اللاصق والكراتين ونايلون التغليف حتى صارت كلّها جزءاً من موئلي الطبيعي وروتيني اليومي. كان لي أيضاً نصيبٌ لا يستهانُ به من العمل في مستودع الكتب الذي استأجره والدي حديثاً لمشروعه، وهو نوعٌ من العمل كان فيه نشاط بدني معتبرٌ نسبة لما لأعمالي المعتادة.

أهدافي للعام القادم

لعل هذه كانت أفضل سنين حياتي على الصعيد المهني وعلى صعيد التأليف الشخصي، وأدينُ بجانبٍ كبيرٍ من ذلك لجائحة كوفيد-19، رغم كل ما جلبته من مشكلات ومآس، إذ إن الحجر المنزلي الطويل ساعدني كثيراً في التركيز على مهام الكتابة والتأليف التي تستلزمُ مواظبةً طويلةً ومتواصلةً بدون تشتيت.

من جهة أخرى، اتخذتُ في نهاية هذا العام قراراً صعباً بالاستقالة من وظيفتي التي تفرَّغتُ لها لعامٍ ونصف، وسوف أعود في سنة 2021 لإكمال درجتي الجامعية التي تأخرتُ فيها سلفاً لعدّة سنوات، وربما للانخراط في الدراسات العُلْيا فيما بعد. كما أني أرغب بالتعمّق أكثر خلال العام القادم في علم اللسانيات وفي دراساته الأكاديمية، والتي أسعى لتكون تخصّصي المستقبلي.

حتى هذه اللحظة، وضعتُ لنفسي الأهداف الآتية للعام القادم:

*العودة إلى مقاعد الدراسة: رغم أني لا أحبّ وضع أهداف دراسية أو مهنية في قائمتي، لأني أعتبره جزءاً من "روتين الحياة"، فلعلَّ عدد السنين التي أمضيتُها في الدراسة أمسى مبرراً لإدراجها هنا. أرغبُ بإنهاء درجة البكالوريوس في اللغة الإنكليزية وآدابها، والتي بقي لي فيها فصلان دراسيَّان بعبءٍ مرتفع.

*القراءة: أرغبُ بقراءة 25 كتاباً بدون تحديد نوعها وموضوعاتها، مع التبديل بين الكتب العربية والإنكليزية (وربما الألمانية).

إنهاء روايتي الأولى: اكتسبتُ خبرةً من تجربتي في الوَهْم الذي ينتابُ الكاتب حينما يظنّ أنه "أوشك على الانتهاء" من عمله، فهناك دائماً مرحلة تحرير أولى وثانية وثالثة قبل أن يصبح جاهزاً للنشر. ورغم أني كتبتُ معظم روايتي الأولى، إلا أني أدرك أن تحريرها وتنقيحها ونشرها لن يستغرق أقلّ بكثيرٍ من عام.

*نشر بحث في اللسانيات: لن أدعي أن بحوزتي موضوعاً مهماً لأجري بحثاً عنه، لكني حريصٌ على التعمّق في علم اللسانيات أكاديمياً وأظن أن ذلك يستدعي كتابة ونشر بحثٍ ما، وغالباً في موضوع له علاقة بالترجمة العربية أو اللهجات العربية أو اللغات التاريخية في الشرق الأدنى. أتمنى أن أنشر -لو تسنّى لي ذلك- في "مجلة الويكي للإنسانيات" (WikiJournal of Humanities).

*الاستمرار في ويكيميديا بلاد الشام: آمل أن أستمر بتخصيص وقت للتطوع في ويكيميديا بلاد الشام وللنهوض بنشاطاتها وأعمالها خلال هذا العام، بما فيها تأسيس منصة للطلبة الراغبين بالتحرير في ويكيبيديا وتهيئة المجموعة إدارياً لتكون قادرةً على استقطاب موظفين.

*[إضافي] اللغة الفينيقية: لدي منذ طفولتي اهتمامٌ بلغات الشرق الأدنى القديمة، وعلى رأسها اللغة الفينيقية. سوف أعتبرُ هذا الهدف "إضافياً" لأنه قد لا يتسنى لي الوقت للوصول إليه، لكني أتمنى تحسين مصادر المعلومات عن هذه اللغة عربياً بتطوير مقالاتها على موسوعة ويكيبيديا من جانب، وربّما بكتابة دليل تعليمي بسيطٍ إن وصلتُ إلى المصادر المناسبة وإن تعلمتُها بنفسي بالدرجة الكافية.