في يوم من الايام تم تكليفي من قبل مدير القسم الذي أعمل فيه بمهمة النزول الى بعض العملاء ومطابقة ارصدة الحسابات بينهم وبين الشركة, للوهلة الأولى اعتقدت أن المهمة سوف تقتصر فقط على طباعتي لكشوفات العملاء والنزول الى مقراتهم والمصادقة على ارصدتهم فقط, كنت اظن أن اكبر مشكلة قد تعترض عملية المصادقة هي وجود فوارق بين كشف الشركة وكشف العميل من حيث الفواتير والسداد.

في الحقيقة هذا هو الامر الطبيعي وهذ ما حدث فعلاً لكن هذا ما يخص مشاكل العمل أما على الصعيد الشخصي فقد كشفت تلك المهمة عن العادة التي امارسها وبشكل طبيعي في حياتي اليومية ولم أكن اُعيرها أدنى اهتمام.

عند وصولي إلى أحد العملاء وبعد بدأ عملية المصادقة تذكرت أن هذا العميل قد أرسل الينا بمجموعة من الاستفسارات والفوارق التي يجب معالجتها من قبلنا وتذكرت ايضاً ان هذه المهمة قد سُلمت لي قبل شهر من الان ولكني لم أقم بتلك التعديلات بل وضعت تلك الاوراق في صندوق المكتب ولفرط الانشغالات لم اتذكرها.

أذكر حينها انني استلمت تلك الاوراق وقد كان لدي متسع من الوقت لإنجاز العملية لكني فضلت القعود والانشغال بشيء اخر, لقد حدثت نفسي حينها باني سوف اقوم بالعملية في وقت لاحق وان العملية لن تستغرق سوى دقائق معدودة فعلى ماذا الاستعجال ؟

لقد كان موقفي امام العميل سيء جداً الى ابعد مما تتصورون, نعم كانت نظراته توحي بأنه مستاء جداً علاوة على ان مضمون حديثة كان يصب في ما معناه اننا غير ابهين به ولا نوليه قدراً من الاهتمام والتقدير كل ذلك جعلني أقف أمامه عاجز وغير قادر على إكمال ما جئت من أجله.

اعاني من التسويف والتأجيل في معظم امور حياتي لكني لم ابالي بهذا الامر كثيراً قبل هذه الحادثة ربما لأن الأثر العائد من هذه العادة لم يتخطى محيطي الشخصي ففي السابق وعندما كنت صغيراً كانت أمي هي من تقوم بالأعمال التي تُوكل إلي ولم اقم بإنجازها وأعتقد ان هذه المرحلة هي التي جعلت هذه العادة تستشري وتستفحل في جميع أرجاء سلوكي.

لم اتوقف عن ممارسة تلك العادة حتى بعد تعرفي على شريكة حياتي وزواجي بها, لا أخفيكم لقد عانت كثيراً من هذه الظاهرة السيئة فأنا لا أقوم بأي عمل توكله إلي في البيت إلا بعد إجراء عدة محاولات لإقناعي بضرورة تنفيذها سريعاً بل انها قد تتعرض الى بعض السخرية من قبلي بدعوى انها ملحة في طلباتها أو ان الامر لا يحتاج كل هذا الاستعجال يا إلهي لقد كنت مسوِّفً من الطراز الرفيع!

التسويف هو في الاساس الادمان على الراحة وعدم إعطاء الأمور حقها من الاهتمام مع الكثير جداً من التسهيل والتهوين بحيث يشعر من يمارس هذه العادة أن جميع الأعمال المطلوبة منه هي أشياء ثانوية لا تستحق ان يتطرق اليها في حينها اتذكر نفسي عندما كنت احدثها بتأجيل أي عمل يُطلب مني انجازه, لا بل وكنت بارعاً في وضع الخطط المزمنة لجدول الاعمال اليومية لكن للأسف بشكل يضمن ظهور الاعمال التي تناسب هواي في أول القائمة.

حسناً لم أرى امهر من التسويف في خداع عقل الانسان بإمكانك ان تفكر معي قليلا, يقوم الدماغ بتلقي المهمة التي يجب عليك ان تقوم بالتفاعل معها وانجازها وهنا يأتي دور التسويف في اقناع العقل بتأجيل العمل عليها والتفرغ لأشياء اخرى تُلبي رغابته من المتعة بحيث يبدأ أولاً بتغييب العقل تماماً عن الاثار والعواقب التي ستحدث في حال التأخر في أداء العمل المطلوب, وهذه المرحلة هي التي تشكل الفارق بين الشخص المسوف عن غيره.

بعد اتمام المرحلة الاولى بنجاح الان اصبح الطريق جاهزاً امام التسويف كي يقوم بالتحكم الكامل بعقل الانسان, بحيث يقوم بفتح باب الخيارات المتعددة له واعطاءه الحرية في اتخاذ القرار كل ذلك في سبيل الحصول على الراحة هنا وفي هذه المرحلة يدخل عقل الانسان في مرحلة من التشتت والحس اللامسؤول فيصبح غير قادر على ترتيب الاولويات, بل إن الفظيع في الامر أنك قد تلجأ الى ملئ وقت فراغك الذي هو ليس كذلك بأعمال أنت في غنى عنها ولا تزيد حتى من مخزونك العلمي والثقافي والمهني بل قد تلجأ في كثير من الاحيان إلى استعراض استيديو جوالك أو التنقل بين المواقع ووسائل التواصل الاجتماعي والأدهى من هذا كله أن تشعر بالنعاس بل وتذهب لتنام وانت تحمل على عاتقك مسؤولية انجاز مهمة أوكلت إليك.

النفس البشرية عادةً ما تميل الى الراحة والدعة وتمقت كل ما من شأنه تكدير راحتها وهذا شيء مستحب ولكن ليس على حساب أعمالنا والتزاماتنا وعائلتنا, لان الأثر الناتج عن تسويف الاعمال خطير جداً على النفس, قد يصل الشخص الى مرحلة الصفر ويصبح عاجزاً عن اداء عمله بالشكل المطلوب فتزداد من حوله الضغوطات ويكتشف حينها انه اسرف في حق نفسه.