العزيز خالد..

ماذا فعلت بي يا خالد !؟

كلمة شكر لا تفي حقك..!

من هو خالد؟ سأخبركم..

هو رجل في العشرينات من العمر.. من حلب الشهباء.. قد نخر عظمه وعظم أهله الفقر ، وكأي عائلة سورية هربوا إلى ( مخيمات العار ) هرباً من براميل سيادته ونظامه الغاشم..

لم يستطع الرجل خالد أن يبقى تحت ذل منظمات الإغاثة من جهة وجوع وبرد إخوته العشرة من جهة أخرى.. فقرر المجيء إلى تركيا ، يتمنى بذلك تنفس الصعداء والحصول على عمل ، ليعين أهله قدر المستطاع.. ولكن الكثير من الأنظمة والقوانين ( وتفاهة ) أرباب العمل جعلته يصل إلى ما وصل إليه!

كنت في طريقي إلى موقف الباصات بعد انتهائي من تصوير لقناتي اليوتيوبية.. في البادئ شممت رائحة عفنة جدا جدا ! لا تطاق ! ، فنظرت إلى مصدر الرائحة ووجدت رجل متكورٌ على نفسه ، يلبس ثياباً شتوية رثة ، مخبئاً رأسه داخلها.. رأيته فاتحاً إحدى أكياس القمامة السوداء ، ويأكل منها الخضروات التي يصلح بعضها للأكل والبعض الأخر لإعادة ترميم بيت مهترئ لشدة قساوتها وعفنها..

مشيت مبتعداً وأقول في سرّي : الحمدلله الذي عافانا مما ابتلى كثيرا من خلقه.. وأي بلاءٍ هو هذا ! الأكل من القمامة أمام الله وخلقه !! فحملتني رجليّ إليه وعدت قائلاً : السلام عليكم.. بلكنة تركية

رفع رأسه ونظر إلي بطرف عينيه و رد : وعليكم السلام..

فعرفت من لكنته أنه سوريّ.. فسألته بإبتسامة: معلش تجي تاكل معي ؟ وأتبعت بصوت ضجر: ما بدي أكل لحالي..! فقال لي : لست جائعا !! وبعد شد وجذب حلفت عليه أن يأتي معي.. مشينا سويا نبحث عن مطعم ، فمررنا بمطعم بيتزا يبدو للعيان أن قطعة بيتزا واحدة تعادل راتب خريج هندسة جديد.. ونظرت إليه أود سؤاله ما إن كان يريد أن يأكل بيتزا ، فرأيت عيناه تلمعان بريقاً كأنه رأى معشوقته.. و رد علي : لا أحب البيتزا ! إنها ليست لذيذة.. تكذب يا خالد !! للمرة الثانية تكذب !!..

وكررت حلفاني عليه أن يأكل معي بيتزا لأني أشتهيتها.. ( في الواقع كذبت عليك يا خالد ، سامحني! كنت قد أكلت قبل أن أراك ، هذا أولاً.. ثانيا : حلفت عليك وأنا أعلم أني لا أملك المال الذي يجعلني أأكل في مثل هذه المطاعم ) طلب هو قطعتين وطلبت أنا واحدة للمشاركة.. لألخص لكم جلستنا التي أردت أن لا تنتهي ولكن موعد الباص قد يفوتني لو أني تأخرت..

خالد درس الإبتدائية فقط ، وهو أميّ لا يعرف القراءة ولا الكتابة إلّا ما تيسر ، كقراءة القرآن ونحوها.. ولحاجة في نفس يعقوب ونفس بشير طلبته أن يكتب لي رسالة كإختبارٍ لجودة كتابته.. خالد نادر الوجود ، خالد عزيز النفس ، خالد طيب القلب ، خالد بشوش ، خالد جميل الوجه ، خالد.. أنا أحبك .

وعدني خالد أنه سيتعلم القراءة والكتابة ، وسيكتب القرآن الكريم..

خالد أعاد ضبط الكثير من الأشياء المهملة داخلي بقصد أو بغير قصد ، تعلمت من خالد في لقاء غير مرتب الكثير من الأشياء التي لا أستطيع حصرها هنا ولا التعبير عنها ، لجهلٍ مني بها ولعظمة منه لها..

وأريد أن أهديك هذه الكلمات..

يا ابن حلبٍ يا بقية عزنا

يا من رأو بك صارما مسلولا

قف شامخا مثل المآذن طولا

وابعث بحبك وابلاً سجيلا

طهر به ماء المحيط منظّفا

خطراً على ماء المحيط وبيلا

سطر على هام الزمان بأننا

أهل الكرامة و الأعز قبيلا

فالعيش تحت الفقر جهنم

زقومها غسلينها المرذولا

و العز جنتنا و روح حياتنا

من دونه أضحى الإسلام قتيلا

أهل حلب يا طلائع زحفنا

يا من رضيتم بالإله وكيلا

و رفعتم القرآن فوق جباهكم

ورضيتم الهادي الحبيب رسولا

سرتم على درب الحب بعزة

سعياً لجنات الخلود مقيلا

يا من صبرتم للفقر طويلاً

في عزة تعلو المجرة طولا