في عمرٍ يُناهٍزُ ال15 عامًا كنتُ دودة فضولية، بالتأكيد لم تكن مجرد دودة أيُّها القارئ و إنما تحتم علي أن أتحوّل بشكلٍ آخر أكثر رُقيٍ إلى عبّارة، دودة كُتُب عبّارة وذلك لم يكن من داعي الإختيار و إنما كان إنسياقًا من الفِطرة الفضولية أن أقبض كتابًا كمُجرم اهتك بفريسته.. لأبتلع بكل ذلك الفضول سلسلة من الكلمات المكوّنة من جُمّل، الجُمَل التي تحوّلت نظريًـا إلى حِكايا يُستساغ بوحها.

جَـرَرتُ الحقيبة المخنوقة بستة كُتُب معي في المناسبات و النُزهات العائلية ثم بالمنتصف أُخرج هاتف ال"black berry"  لأقوم بكتابة نوتة عن الأفكار التي تدبُّ فيَّ!

الأفكار التي شرَعت لصبي صغير السنِّ مثلي التخطيط ليكون شخصًا عظيمًا نتيجة فقد حقيقة أبويه، ككتابة قصص قصيرة ونشرها بفشَلٍ ذريع حتى كتابة نَـص مسرحي عن "طفل سوريا" في منافسة أفضل 15 مسرحية.. لأفوز أخيرًا وخفيًا بخبر أني الحائز الأول على كتابة أفضل نص مسرحي من بين ال15 مسرحية ليتوافد من بين المُهنئين غُرابة هذا الكائن الصغير لهذه القفزة الغير معهودة بقول: "عجيب جدًا يا يزيد أن صدَر منك ما صدَر" و الكثير جدًا من "كل ذلك العقل في دودة صغيرة المنشأ" ابتلعت الكلام بغصَّة من الفرَح أيُّها القارئ المُستمع، لكن ما لم يكن بالحُسبان أنّي فقدتُ مرونة القراءة تدريجيًا حَدَّ أني مررت بثلاثةِ أعوامٍ من الشقاء في كل مرَّةٍ أُشرع فيها بقراءة كتاب حدَّ أني أتوقف مِرارًا في المنتصف لأستنشق الأكسجين ظنّنتُ حقًا أنّي فقدتُ تنفُّسي! لأُغلق الكتاب أخيرًا بثقلٍ أحملهُ في صدري حدَّ أني لا أستطيع قراءة صفحة واحدة من القرآن في ساعة واحدة، يشبه الأمر أنك تتكلف مهمة صعبة لإنهائها برغبة مُلحة في ردعها في نهاية المطاف لرمي القرآن أرضًا بعد إلقائي نظرةً للساعة أني تجاوزت ثلاثة ساعات من الوقت حتى أتجاوز بكل الجهد الممكن الثلاثة صفحات من سورة الكهف في يوم الجمعة!

تكرَّر الأمر حدَّ أني أبكي لأني كُسرتُ من أجلِ قراءة كلمة، الكلمة التي شعرتُ كما لو أنها رصاصة تخترِقُ عقلي وجسدي فمن غير المنطقي أن يقتلني كتابًا بالكامل.

كلِمةٌ قد قلبت أعقابي لأتوارى متقوقعًا وحاضنًا سجادًا لأقول بصوتٍ يرتجف وبكل التعب الممكن: "أنا أستسلم يا الله، وكلتُ أمري إليك".

اعتزلت بعمر ال18 القراءة و الكتابة، اعتزلت العالم قُرآنا قلتُ يائسًا "اختار لي الله الجَهل فربما في الجهل راحة"

تكتَّفتُ آياتـًا مُحصنات وأذكارًا مُوارٍباتٍ للسماء لأعود دون أدنى وعيٍ بكل الشغف القليل للإستطلاع وكتابة بعض الأشياء

في عُمرٍ يناهز الثلاثة و العشرون، حيثُ الآن، قلتُ بأنًّها مجرَّد مسألة وإنتهت..

لم ينتهِ الأمر سِوى أني أتعرقل في منتصف الصفحة لأتأمل بكل المعنى المكتوب أن أتورَّطُ في المعنى رهينةً لأقول مهزومًا وعائمًا في التورُّطِ مثل غارسيا ماركيز "اللعنة! ما معنى المعنى؟"

لقد فقدتُ فجأةً حقي في الدهشة و اللذَّةِ لتفكيك الكلِمة الواحدة! ما أقسى أن تُقاسي من أجل أبسط حقوقك أنتَ الذي ظننتَ لفرطِ القراءة أنك تورطتَ عقليًا لتكون خارج عن نطاق حقّك في الاستيعاب و التركيز و الدهشة و الإستشعار

حتّى الآن، لا أملِكُ كلمة واحدِة لأقولها سِوى أنَّي رهينَ كلِمة، لقد ابتلعتني الكتب من أجل أنَّ أحدهم لم يذكر شيئًا على لسانه سِوى "طلعت مو هيّن"