تفي عالم الشركات الناشئة، يبدو أن هناك مدرستين متناقضتين تتجاذباننا باستمرار. وكل واحدة منهما خطيرة بطريقتها الخاصة.

  1. الأولى، هي مدرسة "الفنان الفوضوي": صاحبها يعيش على شعار "Just Do It". يتحمس لفكرة فيلقي بنفسه وبكل موارده في تنفيذها، معتمدًا على الشغف والحدس. غالبًا ما يكون سريعًا ومبادرًا، لكنه كثيرًا ما ينتهي به الأمر ببناء شيء لا يريده أحد، أو سيتعب كثيرا في طريقه للنجاح.
  2. الثانية، هي مدرسة "البيروقراطي المخطط": هذا يعيش في عالم الشركات الكلاسيكية. يقضي شهورًا في كتابة خطط عمل من 50 صفحة، وعمل أبحاث سوق معقدة، وتصميم منتج مثالي يحتوي على كل الميزات الممكنة. هو دقيق ومنظم، لكنه غالبًا ما يتأخر في دخول السوق، وعندما يفعل، يكتشف أن معظم افتراضاته كانت خاطئة، ويكون الوقت قد فات لتصحيح المسار، أو تأخر فيتعب أيضا كثيرا في طريقه للنجاح.

شخصيًا، تنقلت بين هاتين المدرستين في رحلتي. بدأت فوضويًا في بعض المشاريع، ثم أصابني هوس الكمال في مشاريع أخرى، وفي  esooq كنا ننشد الكمال في عملية بنائه، ثم عدنا للفوضوية في طريقة تسويقه... وفي كل مرة كانت النتيجة مخيبة.

الحل لهذا الصراع ليس في اختيار إحدى المدرستين، بل في منهج ثالث تمامًا. منهج يجمع بين سرعة الأولى وانضباط الثانية بطريقة علمية.

كان الحل عندما سمعت عن منهج the lean startup، فبحثت عنه فوجدته كتابا:

إريك ريس في كتابه "الشركة الناشئة المرنة" (The Lean Startup) قدم جوهر ما أسميه "منهج الوسطية والاعتدال".

فلسفة الكتاب لا تعني الفوضى، ولا تعني التخطيط الصارم، بل تعني المرونة الموجهة بالبيانات. تقوم على دورة مستمرة لا تتوقف: ابنِ - قِس - تعلم (Build-Measure-Learn).

  • ابنِ (Build): لكن لا تبنِ مشروعًا كاملًا. ابنِ تجربة صغيرة جدًا، "منتجًا أوليًا قابلاً للتطبيق" (MVP). هدف هذه النسخة ليس أن تكون مثالية، بل أن تختبر أخطر افتراض في فكرتك. (مثال: هل سيدفع الناس المال مقابل هذه الميزة؟).
  • قِس (Measure): لا تقِس المقاييس الزائفة مثل عدد الإعجابات. قِس "المقاييس القابلة للتنفيذ" (Actionable Metrics). هل المستخدمون الذين سجلوا عادوا لاستخدام المنتج مرة أخرى؟ كم منهم أكمل الخطوة الأهم في منتجك؟ هذه الأرقام هي التي تخبرك الحقيقة، لا مشاعرك. وبناء عليها نقرر ماذا سنفعل تاليا.
  • تعلم (Learn): هنا يأتي القرار الأصعب. بناءً على البيانات التي جمعتها، هل يجب أن نثابر (Persevere) ونستمر في نفس الطريق مع تحسينات بسيطة؟ أم يجب أن نقوم بـ "محورة" (Pivot)، وهو تغيير استراتيجي وجذري في أحد عناصر المشروع لأن البيانات أثبتت أن افتراضنا الأساسي كان خاطئًا؟

هذا المنهج ليس فوضويًا لأنه يستند إلى بيانات حقيقية، وفي نفس الوقت هو مرن ولا يلتزم بخطة عمل جامدة، بل يسمح لك بتغيير مسارك باستمرار بناءً على ما تعلمته من السوق. إنه علم التجربة والخطأ، لكن بطريقة منظمة تقلل من هدر الوقت والمال.

الآن، السؤال الذي أعتقد أنه عملي أكثر لنا جميعًا:

شاركونا قصة "محورة" (Pivot) مهمة قمتم بها في أحد مشاريعكم؛ ما هو الافتراض الذي كنتم تؤمنون به؟ وكيف أجبرتكم البيانات أو ردود أفعال المستخدمين على تغيير مساركم بالكامل؟