المرحلة الجامعية!

بالعودة للعام ٢٠١١م قبل خوضي غمار المرحلة الجامعية، وبعد التمحيص الذي يلقاه الطالب في ١٢ سنة دراسية ومع إختبارّي (القدرات، والتحصيلي) والتي تشكلان النسبة الأكبر في معيار القبول للجامعات، تأتي ذكريات دخولي للجامعة، في ذلك الاسبوع للقبول بين الفينة والأخرى، كان ترتيبي بين الطلاب لاختيار التخصص هو في اليوم الثالث من ذلك الاسبوع، وكنت أمني نفسي منذ فتح التسجيل في يومه الأول في سماع شخص ما قد انسحب من كلية (الطب والجراحة) والذي أغلقت أبوابه منذ اليوم الأول.

المسار الصحي هو الذي ابتغيته مستقبلا لي في تخصص الطب كان جامحا بعد مشاهدتي لمسلسل جريجوري هاوس (الطبي) في السنة الأولى من المرحلة الثانوية والذي لطالما أعجبت بشخصية بطله أيما إعجاب في ذلك الوقت، ذلك الطبيب الذي يحاول دون يأس في إيجاد تشخيص صحيح لمرضاه بهدف علاجهم، مع شخصيته المتعجرفة والتي تتنمر مع الكل دون استثناء، بالاضافة إلى ذلك كان أستاذ مادة الأحياء في الصف الأول الثانوي ذلك الوقت، كان يضفي في كل مرة طابعا مختلف حول كل المواضيع التي يتطرق لها، مطعما إياها بحصيلة لغوية إنجليزية ونادرة، مما جعلنا كلنا نفتن بطريقه إيصاله للمعلومة، ليكون عدد كبير من تلك الدفعات تمني نفسها هي الأخرى في الانخراط بتخصصات طبية منذ سن مبكرة بسبب معلم مادة الأحياء الملهم.

نعود للتسجيل في الجامعة بيومها الثالث ، يتوقف الطلاب في صفوف عمودية، مع موظف ينادي في جموع الطلاب والذي يحملون بين أيديهم ملفا أخضرا سوف يختم بعد قليل من قبل عمادة (القبول والتسجيل) مؤذنة بإنطلاق مسيرتك في الجامعة وانتسابك لها بشكل رسمي، يأتي ذلك الشخص الذي ينظم هذه الصفوف بصوته المرتفع:

- درجة ٨٨ موزون وقف هنا، درجة ٨٧ موزون وقف هنا، درجة ٨٦ موزون وقف هنا .. الخ

الكثير من لحظات القلق، والتوتر، والأفكار المؤامرية من قبيل ابن فلان سوف يحجز مكان له، أو أفكارك التي تتصارع ظنا بالسوء على الموظفين الذين يملكون صلاحيات في القبول والتسجيل بأنهم سوف يقومون بحجز بعض المقاعد بغية إعطائها لاصدقائهم، ومعارفهم، أو هكذا كنا نظن آنذاك. 

ولكي لا أطيل عليك، اختارتني الصيدلة كي أكون أحد من يعرفون بها، ولم نكن أنا والصيدلة على وفاق حتى سنتي الثالثة، شاقا طريقي بعد ذلك الأول ترتيبا على دفعتي الدراسية. 

بداية التساؤل! 

في السنة الثانية من كلية الصيدلة كان أحد أصدقائي يتخبط في التخصص، وكان يواجه مشكلات عدة، مضطرا مع كل فترة دراسية لحذف مادة أو أكثر، وذلك حفاظا على المعدل الدراسي من التدهور وتجنبا لألم الرسوب، صديقي كان يملك شخصية باهرة إن تحدث أو خاطب أحدا ما، متقدما للجموع في كل محفل، والذي تود إن تحدث التزام الجميع الصمت وإرهاف آذانهم لما سيقوله.

صديقي قرر في سنته الثانية التوقف عن العبث، واضعا نقطة نهائية في مسيرته بكلية الصيدلة، ومتحولا لتخصص آخر يناسبه تماما وهو كلية الاعلام والاتصال في نفس الجامعة، شاقا هو الآخر طريقه في التفوق متصدرا للشاشات، ومجالس الأمراء، والوزراء، والمسئولين.

كنت كثير الإعجاب بخطوته تلك، بذلك العمر الصغير يتجرأ في تحويله مساره بشكل كامل نحو ما يملكه من شغف حقيقي، ودون الالتفات لسماع وجهات نظر المحبطين والمتشككين في قراره الذي اتخذه في ذلك الوقت. 

لماذا نجامل؟ 

كثيرا ما شاهدت عديد الأشخاص ممن عرفت في التخصص الذي منيت به نفسي كثيرا (الطب والجراحة) أو تخصصات أخرى في غير التخصص الصحي مثل (المسار الهندسي) كانوا نوابغ وأذكياء في المرحلة المتوسطة والثانوية، مع توقعات لهم بمستقبل باهر إن سلكوا هذه التخصصات العلمية، غير أن المفاجئ لهم كان تعثرهم الدائم السنة تلوى الأخرى، دون التفكير في وضعهم الذي كانوا فيه بشكل أكثر حكمة، مؤملين في تجاوز عثراتهم تلك في المرة القادمة من كل محاولة، مع ضغط أسري ومجتمعي كبير كان قد وضعهم في قالب لا يتزحزح عنه، ولم ينالوا بذلك سوى أمارات الفشل والنكوص، معلنين بعد فترة طويلة من الزمن توقفهم عن الركض ورضوخهم لحقيقة تخليهم عما كانوا يدرسونه بعد زمن طويل كانوا يضيعونه خلف آمال واهمة. 

ماذا عن الشغف؟ 

هناك صراع طويل مع ما يدعوه البعض الشغف، وهو أن تعمل ما تحب، أن تصل للتدفق الذي ينسيك زمانك ومكانك، ليكون ما تعشقه هو ما يدر عليك دخلك، لكن الكثير منا يقع في المنطقة التي لا يعلم ما هو شغفه أو ماذا يحب! لنكون أسرى المعادلة التي نشأنا فيها منذ طفولتنا في الاسرة، والمجتمع، والاصدقاء، والمعلمين، ومن تعرفنا عليهم، ومن شاهدنا مقاطع لهم، ليكونوا هم الذين يوجهوننا لكي نرضيهم، ولكي نرضى نحن معهم، ونكون منتسبين لهوية نندمج فيها بعضنا مع الآخر، دون أن نكون منبوذين ومبتعدين عن هوية تمثلنا ونذوب فيها دون إختلاف يشتتنا. 

٣ أسئلة جوهرية لمستقبل حياتك المهنية! 

في محاضرة لآشلي استاهل على منصة تيد التعليمية كانت قد تحدثت عن ٣ أسئلة مهمة والتي من خلالها سوف تحدد ماهيتك الحقيقة، وذلك وفقا لقيمك، ومهاراتك، وخبراتك في الحياة. 

الفرق بين شغفك، ومن تكون عليه بالفعل! 

تقول آشلي بأن هناك اختلافا كبير بين شغفك الحقيقي وما تحبه بالفعل، شغفك ربما لن يدع الناس تأتي لتطرق بابك لتسألك عن حاجة معينة، بينما ما أنت عليه بالفعل سيخلق لديك عديد الخيارات لما ستكونه مستقبلا. 

وهذا السؤال لن يتحقق إلا بسؤالك ثلاثة أسئلة مهمة وهي: 

١) ما هو الشئ الذي أمتاز فيه مقارنة بالآخرين؟ 

٢) مالذي يقولوه عني الآخرون بأني متميز فيه؟ 

٣) ما هو الذي يعيقني دوما عن التقدم للأمام؟

منطلقا من هذه الأسئلة الثلاث سوف تتكون لديك صورة أولية تمثل أساس الممارسة الاستشارية المهنية، وإن لم تجب على هذه الأسئلة بشكل دقيق، يمكنك الاستعانة بمستشار وظيفي سيساعدك على توجيهك لما تحبه بالفعل. 

 اكتشف ذاتك! 

وهذه الفقرة ترتكز بشكل أساسي على مهارتك، وخبارتك على وجه الخصوص ويمكنك الاجابة عليها عبر ٣ محاور مختلفة: 

١) هل يطلب منك تعليم شئ ما بالعادة؟ 

٢) هل يطلبك أحد ما للنصح في أمر ما؟ 

٣) هل يعترف بمجهوداتك في العمل مثلا أو بين الاصدقاء لقاء مجهود قمت به؟ ما هو هذا العمل؟ 

 مالذي يعيقك؟ 

هناك العديد من الافكار التي تتوارد لذهنك يوميا، يقال بأنها تتجاوز في اليوم الواحد ٧٠ ألف فكرة عابرة، والعديد منها لا يعد سوى وهما، ولا يمت للحقيقة بصلة إطلاقا، ويمكن أن تكون أغلبها تكرر ذلك القول السائد (أنا لست جيدا كفاية!).

لا تدع هذه الأفكار لتتمكن منك، تجاوزها وكن على ثقة بقدراتك، يمكنك أن تطلب مساعدة معلميك، وأصدقائك، ومن تثق بهم على وجه الخصوص، اسألهم مثلا: 

١) مالذي يميزني من وجهة نظرك؟ 

٢) ما هي القدرات التي تثق بأنني قادر عليها؟ 

الرسالة هي ألا تدع الزمن يطحنك دون أن تعي أهمية لحظتك الراهنة في سبيل الفرصة المبتعدة جدا من بين يديك، توقف واسأل نفسك هذه الأسئلة معيدا إكتشاف ذاتك من جديد، فالوقت لم يفت بعد، وتذكر دوما أنك في معية الله دوما ، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك. 

عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: كنت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً فقال يا غلام، إني أعلمك كلمات: «احْفَظِ اللهَ يحفظْك، احفظ الله تَجِدْه تُجَاهَك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِن بالله، واعلمْ أن الأمةَ لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يَضرُّوك بشيء لم يَضرُّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف».
رواه الترمذي

لماذا كتبت عن هذا الموضوع؟ 

لست مثاليا أو خالي الأخطاء، هناك بعض لحظات اليأس التي تأتي بين لحظة وأخرى، أحاول ردعها بالتحدث، أو الكلام، أو حتى بالصمت، قد أنجح مرة، وقد أفشل في أخرى، ويبدو أن طبيعتنا البشرية لا ترضى بالقليل، حتى وإن كان وضعك المادي والاجتماعي على أتم حال، سوف تنال منك بضع أفكار تحط من وضعك في الهاوية، لتلاحظ بعض ما ينغص عليك ككرة صغيرة تكبر قليلا لتصبح مثل كرة الثلج، كلها تبدأ بسؤال ماذا بعد؟ وهل أستطيع القيام بما هو أفضل؟ كيف ستبدو حياتي بعد خمس سنوات من الآن؟ هل فاتني القطار؟ هل فوت فرصتي السانحة للنجاح؟ أم تراني صابرا لأنال بعد مدة من الزمن تحديا ومسؤوليات أكبر؟ وإن كان هناك أحد يريد إجابة هذه الأسئلة وبصدق فأنا ذلك الشخص. 

إليك أيضا: